حتى لو.. سيبقى أننا قاومنا

TT

أوروبا، التي تبدو الآن أنها حليفة لأمريكا، هي عدو ومنافس قديم للسيطرة الأمريكية، وكل لقمة تنتزعها أمريكا منها تقول لها أوروبا: بالسم الهاري. لا يمكن أن نتجاهل الهدف الحقيقي وراء النشاط الفرانكوفوني، الذي تتزعمه فرنسا، ففرنسا غاضبة أشد الغضب لسيطرة اللغة الإنجليزية، باللهجة الأمريكية، التي صارت وسيلة التفاهم العالمي الشائعة، محتلة مكانة اللغة الفرنسية، التي كانت اللغة الأولى في العالم منذ أكثر من قرن مضى، حتى فقدت مكانتها تدريجيا. الغرور الفرنسي لا يلعق جراحه ويسكت، إنه لايزال يبحث عن «الجلوار دي فرانس» ـ مجد فرنسا ـ لاستعادته مهما كان هذا البحث وهما انتهى كحقيقة إلى غير رجعة ، لكنها تقاوم.

لقد أتت الهجمة الشرسة، الغوغائية التي تشنها أمريكا علينا، بعكس توقعاتها، فكل الناس على سطح الكرة الأرضية قد لا يعرفوننا على وجه دقة، لكنهم جميعا يعرفون أمريكا وسجل جرائمها وجورها وتلاعبها بسلاح «الفيتو» للاعتراض في الأمم المتحدة ضد كل من لا يكون على هواها، ولا ننسى أنها عاقبت الصين لسنوات طوال خارج عضوية الأمم المتحدة رغم رغبة العالم أجمع وشهادته بأحقية الصين في تلك العضوية، ولم تدخل الصين الأمم المتحدة إلا بعد كسر أنف اعتبرته أمريكا تعديلا ملائما يناسب موافقتها على إعطاء العضوية للصين، الدولة صاحبة أكبر تعداد للسكان بين الأمم، لكن أمريكا الآن تعاني، لسوء حظها، من نتائج رئاسة رجل مهزوز أطل على العالم من شاشات التلفزيون، متوترا، مرتبكا، مضحكا، لا يكف عن قول كلمات بلهاء يجب أن تظل طي الكتمان، ويتم تصحيحها من مستشاريه وأعوانه ويصفونها بأنها «زلات لسان» ولولا الملامة لقالوا انه هو، جورج دبليو بوش، زلة كبرى لأمريكا.

تفاخرت أمريكا بأوراق ضغط ورشوة في يدها، لكنها لم تتمكن من أن يكون لها سلطان على قلوب الجماهير.

في فيلم «عمر المختار» للراحل الكريم مصطفى العقاد، تقف إيطاليا الفاشيستية، برئاسة موسوليني، ضد مقاومة المعلم «عمر المختار» الذي يقاومها بـ«طلابه». يأتي من يقول لعمر المختار، وهو في درسه وحوله الأطفال يحفظون سورة الرحمن، ان القائد الجديد جزار شرس سلاحه المذابح وهتك الأعراض، فيقول عمر المختار: «إنهم هكذا دائما، يأتوننا أسودا ويعودون كالماعز المنهكة». وحين يقف في قيوده مسلسلا أمام السفاح يسأله: «هل كنت تتصور أن بإمكانك التغلب على قوتنا العظمى؟»، فيرد عمر المختار بهدوء: «سيبقى أننا قاومناكم!». وللعلم أن هذه الكلمات تستند إلى عبارات حقيقة قالها البطل الشهيد عمر المختار الذي قدمته إيطاليا الفاشيستية للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، وحكمت محكمتها بإعدامه شنقا في 15/9/1931.

تختار أمريكا بعناية الأسماء الجميلة والألقاب الفخمة لجرائمها وحماقاتها، لكن متى كانت الأسماء والألقاب غطاء كافيا لتغيير الحقائق ولتحويل الفسيخ إلى شربات، وسموم الإبادة إلى معونات إنسانية؟

انتهى الأمر، وصارت أمريكا، بفضل جورج دبليو بوش، «مسخرة» للصغير والكبير، مشتومة في كل مكان، ملعونة في كل كتاب، وأوروبا هي العين الشامتة، كعهدها دائما بصفتها «العجوزة الكركوبة»!.