احذروا المكتبات الصغيرة

TT

«فانيتي فير» أهم مجلة منوعات في العالم، وعدد العاملين فيها أو لها، لا يقارن بأي مجلة أخرى. وفيها «محقق» خاص يدعى «دومينيك دون»، يرتدي عادة ثياباً بيضاء ويعتمر قبعة بيضاء مثل متقاعدي فلوريدا، ويضع نظارات سوداء مثل آل كابون، ويجول في العالم للكتابة عن الجرائم الكبرى التي فيها أو حولها مشاهير.

وفي العدد الأخير من «فانيتي فير» كلف هذا الرجل بتغطية تفاصيل التحقيق الذي بدأ في لندن أخيراً، في مقتل ديانا سبنسر. وليس من عادتي أن أقرأ المستر دون، برغم أنني أقرأ أي شيء، حتى الكتابات السفيهة على الجدران. كما أنني توقفت منذ سنوات عن متابعة أي شيء يتعلق بالأميرة ديانا أو الأمير تشارلز أو زوجته التي دائماً أنسى اسمها، أو ابنيها، وليم وهاري وصديقاتهما.

إذن، لماذا قرأت «التحقيق» الشهري للمستر دون، خصوصاً أنه عن ديانا وأصدقائها ومصاريف المرحوم دودي الفايد في هوليوود، وكيف ساعد المستر دون بطريقة غير مباشرة، عندما اشترى منه أثاث منزله في هوليوود فقط لكي ينقذه من ورطة مالية. وأما الأثاث نفسه فقد رماه حيث يليق به، لأن دودي الفايد كان رجلا على كثير من الذوق، والمستر دون هو النقيض.

حكم عليّ أن اقرأ ما كتبه دون عن ديانا لأنني في بلدة صغيرة فيها مكتبة واحدة. وقد اشتريت كل ما فيها من صحف ومجلات وفي النهاية مددت يدي إلى الرفّ الفارغ وأخذت «فانيتي فير» برغم أن التحذير مطبوع على الغلاف: اسم دومينيك دون وموضوعه! ويجب أن اعترف بأن التعويض كان فورياً. فهذه المرة لا صورة للمستر دون ولا لقبعته ولا لتصابيه.

لكن بقية المستر دون كلها هنا: النقل في الأسلوب. الكتابة بأسلوب إنشائي مدرسي ممل. ومحاولة البحث عن الجديد في مسألة كتبت فيها الملايين من السطور ونشرت عنها الآلاف من الصور وجعلت الكرة الأرضية تلهث لكي تعرف إن كان تشارلز قد تزلج مع كاميلا، أو إن كانت ديانا قد تخلت عن سائس الاسطبل بسبب طبيب باكستاني، أو ماذا فعل رئيس الخدم عندما علم بالعلاقة مع السائس الذي هجر ديانا إلى صديقتها، فيما كانت زوجة اندرو تقضي عطلة سريعة في إسبانيا، كوستا ديل سول.

اعتراف آخر: قرأت «تحقيق» المستر دون كاملا. لم أعرف شيئاً جديداً على الإطلاق عن القضية. لكنني عرفت من كان يجلس إلى جانب المستر دون على الطائرة. وعرفت أن محمد الفايد هو الذي اتصل بالمستر دون في فندق الريتز يريد مقابلته. وأن ديانا (يوم كانت حية) هي التي طلبت مقابلته ودعته إلى العشاء. وعرفت أنه ينزل في أفخر أجنحة «الكلاريدجز» عندما يكون في لندن وفي أهم جناح في العالم عندما يكون في الريتز. وأدركت أن على المرء أن يحرص دائماً على البقاء قرب مكتبة كبيرة لكي لا يبلغ حالة يقرأ فيها المستر دون.