درس ومحاضرة

TT

لو كانت قوائم التاريخ منصفة وعادلة لاختير لي كوان يو رئيس الوزراء السنغافوري الأسبق كواحد من اهم زعماء العالم في القرن الميلادي الأسبق.

فهذا الرجل ترأس جزيرة صغيرة جدا، يسكنها صيادو السمك بشكل رئيسي ويكاد الفقر يفتك بها، وهي بدون أي موارد طبيعية تذكر ، وأعلن استقلالها بعد طردها من الاتحاد الماليزي. وفي بعض العمارات القديمة في هذه الجزيرة لليوم لوحات في بعض المصاعد القديمة تطلب من الناس عدم التبول في المصعد، مما يعني أن النظافة كانت تحديا كبيرا، وهذا الذي جعل لي كوان يو يطلق «حربا» على القذارة وبغرامات غير مسبوقة حتى باتت بلاده مضربا للامثال في النظافة، ولم تكن هذه هي الحرب هي الوحيدة التي شنت، فهناك الحرب على الجهل والتي بسببها تتبـوأ اليوم سنغافورة بجامعاتها ومعاهدهــا ومدارســها أهم المراكز الاولى في استطلاعات الرأي وفي تقييمات المؤسسات التعليمية المختلفة. وكذلك كانت هناك الحرب على الفساد، ليصبح القضاء السنغافوري ثاني أكثر الانظمة القضائية فعالية في العالم. وتألقت سنغافورة وتوسع اقتصادها وقويت حتى بــاتت إحــدى أهم النمور الاقتصادية في العالم، وباتت شركاتها تدير العديد من شركات الطيران والموانئ والمطارات في دول عديدة حول العالم. والاسبوع الماضي استضافت العاصمة السعودية الرياض لي كوان يو كمتحدث رئيسي في مؤتمر عن التنافسية، وقد كان «نجم» هذه المناسبة بامتياز، وفيها القى خطابا، يكاد يوصف بأنه أحد أهم الوصايا المقدمة لمستقبل الاقتصاد السعودي، وكان عنوان الكلمة هو ببساطة «لو كنت سعوديا» وفيها قدم عرضا جريئا ومفصلا عن الخيارات والامثلة الصعبة التي على السعودي أن يواجهها وأن يقوم بتنفيذ فعلي لإجاباتها مهما كانت مؤلمة. لي كوان يو شخصية صعبة وله آراء بالغة الحدة، راهن على الصين الشعبية قبل أن يكون ذلك «شعبيا» وأمر بتعليم لغة الماندرين، وهي اللغة الصينية الأهم استعدادا لليوم الذي تنفتح فيه أسواق الصين فتكون بلاده جاهزة لذلك وفعل، وكذلك وقف مواقف حادة مع الرؤية الامريكية لحقوق الانسان والديمقراطية وطالب باحترام الثقافات، ويعيش في بلاده عشرات الاعراق والديانات بشكل سوي ودون المساس بحقوقهم، لأنها باختصار دولة قانون بامتياز.

لي كوان يو قدم للسعوديين وصفة سحرية جادة خاطب فيها وجدانهم وضميرهم، وطرح أسئلة في غاية الصعوبة و«تحدى» اتجاهاتهم المستقبلية لمعرفة أي اتجاه يريدون السير فيه، والى أي هدف يسعون الوصول اليه. الخبرات العالمية المهمة لابد أن تحترم والتحدي دائما يكون في كيفية استغلالها بالشكل الأنسب.

[email protected]