علامات الساعة

TT

قرأت تقريرا مفزعا في «اتلانتيك مانثلي» حول مستقبل العالم العربي بعد العراق: دول كبيرة تزول ودول صغيرة تقوم. طوائف تحل محل الاوطان. حروب تعيد رسم الشرق الأوسط. من باكستان الى مصر: دولة للبدو في سيناء، ودولة للبلوش في باكستان، ودولة للدروز عاصمتها السويداء في جبل العرب، ودولة عربية في الاهواز، ولبنان يذوب في سورية، وامارة اسلامية في غزة. وبعد 20 عاما، اسرائيل قد تزول وقد تبقى.

ويقول صاحب التقرير، مايكل غولدبرغ، انه تحدث الى عشرات الخبراء الاستراتيجيين والسياسيين. وقد جال طويلا في العراق وامضى وقتا في كردستان حيث الاستقلال اصبح امراً واقعاً وحيث «مشكلة الناس هي العرب وليس تركيا». ذكريات المعاملة العربية ومرارة المعاملة العربية والخلاف التاريخي الطويل «مع العرب».

وفي الماضي لم نكن نقرأ مثل هذا الكلام حتى لو نشر في مجلة عمرها 150 عاماً. واذا قرأناه، كنا نصرفه عنا فورا، على انه دس صهيوني او تشويش اسرائيلي على العقل العربي وأحلام الأمة. لكننا الآن نقرأه في زمن تخرج فيه جنازة جورج حبش كجنازة مختار في قرية جبلية بعيدة، إلا من بعض برقيات رفع العتب. ونقرأ هذا الكلام فيما يقال إن ضحايا الصراع في العراق جاوزوا المليون. ولا نتوقف عند كلمة مليون لأننا ذاهبون الى النوم. ونحاول ان نصرف عنا فكرة التقسيم فيما العراقيون يمارسون التطهير العرقي في مناطقهم بعلنية اكثر فظاعة مما حدث في يوغوسلافيا. ونستنكر الفكر التقسيمي الصهيوني فيما حماس تأخذ جانبا من فلسطين المستعادة وتترك لفتح الجزء الآخر. وفي لبنان ترتفع الاصوات الوطنية يوميا منددة بعملاء التقسيم، فيما يلغي اللبنانيون الدولة مؤسسة بعد مؤسسة ويمنعون الجامعة العربية من تنفيذ أي قرار من قراراتها. ويشلون الجيش، القاسم المشترك الاخير فيما بينهم.

كنا نسمع حكايات التقسيم والتفتيت ونحن صغار. وكنا نعتقد بأن الوحدة سوف تقوم وتنتصر. الوحدة الوطنية الصغرى والوحدة القومية الكبرى. وكنا على عجل. لأن لا خلاص من دونها ولا أفق بل عودة الى المجتمعات البدائية. وها نحن اليوم لا ندري من الذي يقسم: العدو أم الاستعمار أم نحن. «وحَّد» ونستون تشرشل العراق المستقل، وها هو التطهير «العرقي» في البصرة يبدأ فور خروج القوات البريطانية وليس قبله. والولاءات في كل مكان للمراجع وليس للدولة ولا للوطن ولا للدستور. كأنما جميع شعوب هذه الأمة كانت تنتظر اللحظة السانحة لكي تعود الى الجاهلية السياسية، بأعذار مختلفة وذرائع كثيرة. لكنها الأمة تسقط في الحالة الافريقية. تدهور مفزع نحو المثال الكونغولي. كل اقليم دولة وكل فرقة زعامة. والهتاف واحد: فليسقط التقسيم وتحيا الوحدة. والكذبة لم تعد تطاق.