نصف قرن

TT

الغريب في التاريخ العربي خلال نصف قرن، انه ليس من دولة تاريخها فيها: مصر، تاريخها في اليمن. وفي السعودية. وفي لبنان. وفي الكونغو. مالا، وسياسة وعسكرا وخلافه. عفوا، وأيضا في المغرب. وأيضا لا أذكر أين. والعراق تاريخه في موريتانيا. وفي اليمن. وفي دعم ميشال عون والقوات اللبنانية باسم البعث والقومية العربية. وفي سورية. وفي الكويت. وسورية تاريخها في لبنان. وفي محاربة فتح. وفي العراق. وفي الأردن. وفي لا أذكر متى وأين. وليبيا تاريخها في تشاد وفي مالطا وفي الوحدات الفورية مع مصر ومع المغرب ومع تونس ومع السودان. والسودان تاريخه في أوغندا وفي إثيوبيا وفي حلايب وفي الإعداد لتحرير عموم أفريقيا. وعموم أفريقيا لم يلق من الدول العربية مساعدة في التعليم أو الطب أو الاقتصاد بل فقط في السلاح والتحريض وتجارة الماس.

ونصف تاريخ الجزائر في المغرب، حدودا وصحراء وعبورا وتحريضا. ونصف تاريخ المغرب في الجزائر، عداء وعزلا. وتاريخ تونس تاريخ خوف كبير من الجزائر وخوف وسط من ليبيا وتخوف من المغرب.

وتاريخ البحرين خوف من إيران وتمضية العمر الاستقلالي لعام المحاكم في رد ادعاءات قطر، بحرا وبرا. وقطر كانت تذهب إلى إيران ضد الخليج والى العراق ضد مجلس التعاون والآن تسجل ريادة أخرى في الاتجاه المعاكس: سحب قواتها الضاربة من «اليونفيل» في جنوب لبنان لحاجتها إليها في محاربة الإمبريالية الأميركية.

الغريب أنه في نصف القرن الماضي لم يسجل تدخل ـ أو تحريض ـ بريطاني في شؤون فرنسا أو إغلاق الحدود بين فرنسا وبلجيكا أو تعليق انتخابات الرئاسة في إيطاليا. لقد نفضت أوروبا عنها قباحات الحروب الإقليمية وتكبر الدول الأكبر واستضعاف الدول الصغرى ودخلت في وحدة متوازنة ترأسها أحيانا دوقية في حجم اللوكسمبورغ. وليس هناك إذاعات تشتم أحداً ولا تلفزيونات تدعو الشتامين إلى مسارحها تحت شعار الرأي الحر، في منطقة الحرية الوحيدة فيها حرية التدخل في شؤون الآخرين وحرية الاعتداء على حرية قرارهم.

ماذا لو انصرفت كل دولة إلى مواطنيها؟ كيف كان يمكن أن يكون حال السودان الآن وحال العراق ومستوى الدخل القومي في سورية، وكم هي نادمة مصر على ما أضاعت من مال وما فقدت من رجال، خلف شعارات فارغة كم دمرت في حياتها وحياة الآخرين. إذا أراد العرب وحدة فهي فقط الوحدة التي تضمن استعلاء شريك على آخر. وإذا أرادوا تضامنا فهو في وجه بعضهم البعض. وقد خاضوا ضد إسرائيل حروبا محدودة وخاسرة وربحوا المعركة الكبرى: جعل العالم العربي في حالة حرب دائمة، يقتحم الكبير حدود الصغير. والآن يقتحم الصغير حدود الكبير. ويملي عليه. وكل ما سبق فصل بسيط من مأساة فجة.