الجدل حول مغنية

TT

عماد مغنية، الذي قيل إنه قتل بتفجير في دمشق امس، هو النسخة الشيعية الموازية لأسامة بن لادن السني، لكن تاريخه يشهد انه سبق زعيم القاعدة في الخطف، والاغتيال، والتنظيم، وتدبير المؤامرات، بأكثر من عشر سنوات حينما كان زعماء القاعدة مجرد جنود يحاربون السوفييت في أفغانستان. بزَّ مغنية نظيره بن لادن في سرية أعماله وغموض حركته. وعجزت القوى الامنية الدولية المختلفة حتى عن التعرف على مكانه او الحصول على صورة له مع انه كان موجودا دائما بين لبنان وإيران. وطوال هذه السنين لا تعرف ملامحه إلا من صورة واحدة فقط التقطت له عندما ظهر بوجهه اثناء خطف الطائرة الكويتية. بخلاف بن لادن والظواهري رفض مغنية الدعاية وفضل الاختفاء، وصار مثل زعيم طالبان شبحا لا ندري عنه سوى قصص خيالية، حتى قيل ان مغنية خرافة اخترعها الاميركيون من اجل توسيع نشاطهم الامني في المنطقة.

الاعترافات دلت على انه خطط لتفجير الخبر في السعودية، ثم اختفى في ايران. ومع ان الامم المتحدة أصدرت قائمة اتهام طويلة ضده، واعتبرته خمسون دولة إرهابياً مطلوباً، وراجت الاشاعات عنه وحوله، ظل يعمل ويدرب الآخرين في لبنان وإيران.

ومنطقتنا غنية بمثل مغنية وبن لادن والعاملين في سلك العنف الرسمي او الخاص إلا ان مقتل مغنية يثير من جديد اشتباكات في المنطقة. حزب الله يعتبره بطلا، والذين تضرروا من أفعاله وضحاياه يصنفونه إرهابيا. وهذه ليست المرة الأولى التي نختلف حول القضايا، والأفراد، وأحيانا القيم نفسها. نفس الشيء قيل عن كارلوس الإرهابي الذي خطف وزراء البترول ومعظمهم عرب في السبعينات. فقط لأنه كان يعادي اميركا اعتبره البعض بطلا. وكرر الشيء نفسه عن ابو نضال، الذي اغتال من الفلسطينيين اكثر مما قتل من الاسرائيليين، وفي النهاية قتله حليفه ومضيفه صدام في بغداد لأنه شك في أنه يتآمر لاغتياله قبيل الغزو الاميركي.

مغنية دبر تفجير الخبر الذي قتل فيه سعوديون، واميركيون. كما دبر تفجيرا في اواخر الثمانينات في مكة المكرمة، إبان الخلاف السعودي الايراني الحاد، وضبط فيه كويتيون آنذاك. كما ظهرت صورته يقود خطف الطائرة الكويتية، وقيل الكثير حول عمليات أخرى نفذها في المحيط العربي واللبناني، وقد لا تكون صحيحة انما الثابت عليه تفجير الخبر وخطف الطائرة الكويتية. ومن الطبيعي ان يصفه ضحاياه بالإرهابي. وهناك اكثر من خمسين دولة في العالم كانت تبحث عنه.

البعض من الاخوة العرب يعتقدون أن الدم الآخر، مثل الخليجي او المصري او المغربي، رخيص لا قيمة له، ولهذا يمنحون قتلاهم صفة الشهادة، او البطولة او الوطنية، بدون اعتبار لحقيقة الجرائم الاخرى التي ارتكبت في حق الآخرين.

هذه مشكلة بدأت فعليا مع بن لادن نفسه في التسعينات حيث اصر البعض على اعتباره مجاهدا عظيما مع انه ولغ في الدم الحرام في السعودية، وتكرر الامر مع الظواهري في تفجيرات القاهرة التي حاول البعض تبريرها. وقبل ذلك سعى البعض لإسباغ مبررات داخلية وسياسية وأحيانا دينية على جرائم الجماعات الجهادية في الجزائر. لكن كل هؤلاء خسروا النقاش وانقلبت الغالبية العربية والإسلامية ضدهم. قد يكون مغنية حارب المحتلين الاسرائيليين، وشارك في تحرير جنوب لبنان، وقام بأعمال وطنية عظيمة، إنما بالنسبة للآخرين فإن يديه تلطختا بدماء أناس أبرياء كثر.

[email protected]