باكستان: ضوء في نهاية النفق

TT

قبل عام لم يكن الأمر موضع شك.. قبل شهر بدا مثل رهان سيئ لكل المعنيين.. قبل أسبوع بدا في الافق مثل مقدمة لحرب أهلية وليس بديلا عنها.

ومع ذلك فان الباكستانيين توجهوا الاثنين الماضي بالملايين ليقهروا رسل الشؤم عبر الاقتراع في ما يبدو الآن أول انتخابات عامة حرة ونزيهة في البلاد بنتائج لا يمكن الاعتراض عليها إلا من جانب قلة.

وجرت الانتخابات على خلفية تهديدات من جانب بعض الجماعات الارهابية في العالم بقتل كل من يشارك فيها. وفي الوقت نفسه خططت شخصيات عسكرية قوية لتزوير نتيجتها.

والفائز الأكبر هو حزب الشعب الباكستاني الذي ظل دائما، عندما تتوفر له الفرصة، يجسد التعددية وحكم القانون.

وفعلت «القاعدة» وحلفاؤها من طالبان كل ما بوسعهم لمنع وشل هذه الممارسة. فقد قتلوا ما يقرب من 300 من المرشحين وموظفي الانتخابات ونشطاء الأحزاب. وكان شعارهم الشرير «من صندوق الى صندوق»، الذي يعني أن كل من يلقي ورقة انتخابية في صندوق اقتراع يمكن أن ينتهي به الأمر الى نعش، قد أرسل الى كثيرين وعلق على جدران كثيرة. كما دمر الارهابيون ما لا يقل عن 12 من المراكز الانتخابية وسرقوا العشرات من صناديق الاقتراع.

لكنهم مع ذلك فشلوا.

ولم يفعل حلفاؤهم السياسيون، الذين تجمعوا في عدد من الأحزاب التي تسمى إسلامية قدمت مرشحين منافسين، ما هو أفضل.

فجمعية العمل المتحدة، وهي تحالف اسلاميين حصل على ما يقرب من 11 في المائة من الأصوات في الانتخابات العامة الأخيرة قبل خمس سنوات، انخفضت الى ما يقرب من ثلاثة في المائة. وفقدت السيطرة على واحد من الأقاليم الأربعة في باكستان التي تحكمها. وفقد جميع زعمائها الرئيسيين تقريبا مقاعدهم. وفي الجمعية الاقليمية في السند لم تحصل جمعية العمل المتحدة على أي مقعد. والأنكى من ذلك أن هزيمة الاسلاميين في الاقليم الحدودي الشمالي الغربي جاءت على يد حزب رابطة عوامي الذي ينظر اليه كحزب علماني إذ يدعو الى نوع من الاشتراكية.

وعانت جماعة شيعية، تتلقى تمويلا كبيرا من جمهورية إيران الاسلامية، من هزيمة أكبر. فما ان أعلنت النتائج النهائية حتى تبين انها لم تحصل سوى على واحد في المائة من الأصوات.

كما خسر السياسيون المرتبطون بالمؤسسات العسكرية والأمنية وان يكن ليس بحجم خسارة الاسلاميين.

فحزبهم الرئيسي، وهو الرابطة الاسلامية في باكستان، خسر ما يقرب من ثلثي مقاعده وهيمنته على الجمعية الوطنية والجمعيات في ثلاثة اقاليم كان يهيمن عليها لسنوات. ومن بين الخاسرين أشهر زعماء الحزب.

رسالة هذه الانتخابات جلية: الأغلبية الساحقة من الباكستانيين ترفض الحكم العسكري وتوأمه حكم الاسلاميين. فقد بدأ التوأمان السيطرة على الوضع السياسي في باكستان في سنوات السبعينات عندما أطاح الجنرال ضياء الحق في انقلاب عسكري بحكومة ذو الفقار علي بوتو، رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا. ولعب الجنرال، العاجز عن اقامة قاعدة سياسية شعبية، الورقة الاسلامية، مستخدما الدين كوسيلة آيديولوجية لنظام فاسد ووحشي.

ولعب الاسلاميون الدور المعد لهم مقابل حصتهم من السلطة السياسية، ناهيكم من نهب الاقتصاد الوطني.

وبانتخابات الاثنين الماضي تعود باكستان الى ما كانت عليه عام 1977، أي ما قبل انقلاب ضياء الحق.

وعادت حركتان رئيسيتان، هما الرابطة الاسلامية في باكستان التي يقودها رئيس الوزراء السابق نواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني الذي يقوده آل بوتو، كلاعبين رئيسيين في الوضع السياسي في باكستان على مستوى البلاد والأقاليم.

ومن المحتمل أن يشارك حزب نواز شريف، وهو من يمين الوسط، في تشكيل الحكومة الاقليمية المقبلة في البنجاب، وهو أكبر اقليم في باكستان.

حزب الشعب الباكستاني، المحسوب في خانة يسار الوسط، سيسيطر على مقاطعة السند وسيقود في الغالب حكومة ائتلافية في بلوشستان.

حتى قبل تأكيد النتائج النهائية دار الكثير من الحديث حول تشكيل حزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية (جماعة نواز شريف) ائتلافا حاكما مع شغل بقايا الإسلاميين لمقاعد المعارضة والمحاولة لترويج رسالة تتلخص في أن الأحزاب غير الدينية وغير العسكرية لا يمكن ان تحل مشاكل باكستان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ربما يكون أفضل سيناريو هو أن يغطي الحزبان الرئيسيان جميع الأطياف السياسية، ربما بمشاركة كتلة من المستقلين. يمكن أن يصبح واحدا من الحزبين نواة لحكومة ائتلافية فيما يقود الآخر المعارضة البرلمانية، فقد حقق هذا النموذج نجاحا في الهند على مدى ما يزيد على نصف قرن، وليس هناك سبب يمنع نجاحه في باكستان.

لحزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية منطلقات تاريخية مختلفة، ولديهما بدائل ورؤى وبرامج يجب أن تكون الرؤية تجاهها واضحة لا يؤثر فيها أي برنامج لاقتسام السلطة لا يعرف مدى استمراره.

من الأفضل لكل طرف الاحتفاظ بهويته المميزة وتزويد الناخبين بخيار واضح. عملية تشكيل حكومة شعبية ظلت باستمرار شرطا أساسيا لكسب الحرب ضد الإرهاب في باكستان وأفغانستان على حد سواء.

هذا الشرط يمكن تلبيته الآن. من الناحية السياسية يعني ذلك حدوث تحول استراتيجي في المد ضد الإرهابيين. ومع ذلك إعادة الحكم الديمقراطي في حد ذاته لا يعتبر ضمانة لتحقيق الانتصار.

إذا أهدر الفائزون في الانتخابات طاقتهم في تسوية الحسابات الشخصية مع الرئيس برويز مشرف، فإن ذلك سيكون تصرفا غير عاقل. فهؤلاء في نهاية الأمر مدينون لمشرف بالشكر. فهو الحاكم العسكري الوحيد الذي نظم انتخابات حرة ونزيهة وقبل نتائج في غير صالح معسكره. وعلى الرغم من حملة الاستخفاف التي استهدفته، لا يزال مشرف يتمتع بالثقة التي يمكن ان توظف لخدمة نظام حكومة جديد قائم على أساس فصل السلطات.

ظل مشرف يدعي باستمرار انه يرغب في تبني النموذج السياسي التركي في باكستان. وهذا يعني إيجاد نظام تعمل فيه القوات المسلحة كحارس للدستور ومنع الدكتاتورية باسم القومية أو الدين.

حقق هذا النظام نجاحا في تركيا، وسمح لها أيضا بتجريب حكومة إسلاميين في دولة علمانية لمدة خمس سنوات تقريبا دون ان تنزلق إلى حرب أهلية.

يجب على الحكومة الباكستانية الجديدة ان تطرح برنامجا جديرا بالثقة في مجال الإصلاح الاجتماعي والتنمية الاقتصادية يمنح الشعب أملا جديدا. يجب ان تطهر الحكومة الأجهزة الأمنية بالتخلص من العناصر المارقة التي تتبع أجندتها الشخصية باسم الإسلام.

حكومة مشرف لم تواجه الإرهاب، خصوصا في مناطق القبائل المجاورة لأفغانستان، بالصورة المطلوبة، لأنها كانت في حاجة إلى تأييد الإسلاميين للتعويض عن الوجود الحقيقي لقاعدة تأييد شعبية.

الحكومة الجديدة، التي تتمتع بقاعدة تأييد واسعة، ليست في حاجة إلى استخدام مثل هذه التكتيكات، إذ ينبغي عليها تشكيل جبهة شعبية ضد الإرهاب لمواجهة التحدي الذي يتهددها.

أما أصدقاء باكستان، خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول المسلمة المعتدلة، فيجب ان تقدم المساعدات اللازمة لها اقتصاديا وعسكريا.

قبل عام فقط لم تكن غالبية الباكستانيين قادرة حتى على رؤية النفق الذي دخلت فيه البلاد. أما الآن، فبوسعهم رؤية ضوء في نهاية النفق.