إلى المدافعين عن «البشيرية»

TT

في مقال لي سابق لامست بمحبة التورط السوداني في تشاد واستمرار أزمة دارفور. مع هذا هاجمني اتباع النظام في الخرطوم مدعين كم هو نظام اسلامي وناجح ومستقر، بل ومنتصر. قلت في نفسي هذا حقهم ان يدافعوا عن انفسهم. ثم رأيت كيف زايد النظام في قضية الرسوم الدنماركية المسيئة للإسلام وصار يعلن عن المقاطعة، وكبّر وهلل له أتباعه كالعادة. انما اعرف أن مثل هذه الانظمة تعتمد أسلوب إلقاء القنابل الدخانية للتستر على أفعال اخرى.

ففي نفس اليوم الذي ادعى فيه النظام غضبة مضرية معلنا انه سيقاطع البضائع الدنماركية وافق على القبول بقوات أممية غير افريقية، بعد ان أقسم من قبل أيمانا غلاظا انه لن يفعل. وبإمكانه ان يقسم مرة عاشرة بأنه لن يستورد من الدنمارك لأنه لا يستورد من الدنمارك شيئا يستحق الذكر. أي انها مجرد دعاية أخرى رخيصة.

وقد اعتدنا على المسرح السياسي الكوميدي في الخرطوم الذي يزودنا دائما بالمضحك، وأهل السودان بالمبكي، وندعو الله في كل مرة يصدر مواقف بطولية ورقية ان يستر مما يخفي.

والذين دافعوا عن النظام في المرة الماضية اضطروني الآن للاعتراف بأنني اخطأت ليس في ما قلت بل في ما لم استطرد في تعداده. فعندما تحدثت عن مغامرات الحكومة خارج السودان بإرسال المتمردين لقلب نظام الحكم في تشاد كان ذلك استنادا إلى تأكيدات المتمردين انفسهم الذين اعلنوها قبل هزيمتهم. كانت تلك سويعات فرح في قصور الخرطوم الرئاسية قصيرة لتكتشف انها خسرت الاموال التي دفعتها، فالانقلاب فشل فشلا ذريعا. وهي بكل أسف أيام حزن لآلاف الناس الذين قتلوا في تلك المحاولة، ومن بينهم عائلة سعودية قتلت عندما استهدف الانقلابيون السفارة السعودية بالقنابل. وإذا كانت كذبة مقاطعة الدنمارك هدفها اخفاء هزيمة تشاد، والتستر على القبول بالقوات الدولية، فان هناك سجلا اسوأ منذ بداية الانقلاب، قبل عشرين عاما مضت.

فهو يزعم انه نظام اسلامي، واسألوا كم قتلت ميلشيات النظام من مسلمين في دارفور، وكم مات في حرب الجنوب من سودانيين؟ وعلاقته بالإسلاميين غريبة. فهو الذي طرد بن لادن بعد ان أخذ امواله، واستخدمه في المساومات السياسية. وعليكم ان تسمعوا رأي صديق النظام القديم ايمن الظواهري كيف ندد به، ومواقفه، وتاريخه. وإذا كان الظواهري ورفيقه من ثلة مجرمة، لا يعتد بأقوالها، فلنسمع من «ابو النظام» ومرشده الشيخ الدكتور حسن الترابي الذي اعلن على الملأ طلبه من الله المغفرة لأنه أيد النظام. فالنظام لم يحترم عمره، وعلمه، وكافأه على 15 عاما من المساندة بالطرد والسجن ثم الاقامة الجبرية في منزله. وإذا قلنا ان سجن الترابي مجرد تصفية حسابات فان النظام لم يبخل على السودانيين بالمعاناة نفسها. ففي العالم العربي ثلاثة شعوب مشردة، الفلسطينيون والعراقيون والسودانيون. الفلسطينيون والعراقيون نقول قوى اجنبية تسببت لهم في المأساة، اما السودانيون المنتشرون في انحاء العالم فهم الشعب العربي الوحيد الذي شرده نظامه. وحتى اوضح لكم حجم المأساة فان الحكم البشيري هو الحكم السوداني الوحيد الذي أنعم الله عليه بالبترول لكن ابتلى به المواطن الذي ازداد شقاء بالحروب والمجاعات والاضطهاد. القائمة طويلة ولا اريد ان اضاعف كربة القارئ.

[email protected]