باكستان: من يُعيد القضاة .. الحكومة أم الشارع ؟

TT

اسفرت الانتخابات الباكستانية عن عدة تساؤلات مع انتصار المعارضة وهزيمة الرئيس برويز مشرف وحلفائه من الاسلاميين. هناك من قال ان التصويت كان ضد اميركا وهناك من قال انه كان ضد مشرف، وعليه بالتالي الاستقالة. وبينما كانت الوساطات الغربية والدولية تعمل على خط مشرف و«حزب الشعب» لتشكيل حكومة تحالف بينهما، تغيرت الساحة السياسية الباكستانية مع اغتيال زعيمة الحزب بنازير بوتو، فصارت الوساطات تعمل على خط «حزب الشعب» و«رابطة العمل الاسلامي» لرئيس الوزراء السابق نواز شريف.

آصف زرداري (زوج بنازير) الذي صار مبدئياً رئيس «حزب الشعب» امضى عشر سنوات في السجن في باكستان بتهم الفساد. نواز شريف الذي اتهمت حكومته بالفساد هو الآخر، امضى سنوات منفياً انما بأمر من مشرف. وكان المستغرب ان الباكستانيين قرروا الانتقام من «حاكم عسكري» هو مشرف بالإتيان الى الحكم بشخصيات اشتهرت بالفساد.

عمران خان زعيم حزب «حركة العدالة» رد على هذا الطرح قائلاً: «ان الاقتراع كان اقتراعاً ضد مشرف، وكل سياسي وقف ضد مشرف وشعر الناخبون انه الافضل حظاً لإلحاق الهزيمة بمشرف صوتوا له». ويرفض خان اعتبار ان الباكستانيين انتهوا بسياسيين فاسدين على اساس ان الرأي العام كان امام خيارين، وصوّت للافضل بنظره «ثم ان الصوت المعارض اقوى من الصوت الموالي». لقد ذهب الناخبون لتدمير مشرف لسببين: الاول: الاقتصاد حيث ان الاسعار ارتفعت ثلاثة اضعاف وبلغ التضخم اكثر من 12% وهذا ما اصاب الناس بالضرر. والثاني: الحرب ضد الارهاب، وهذه الاكثر كرهاً لدى الباكستانيين، لأن الجيش الباكستاني يقتل الباكستانيين من اجل طرف آخر. ومشرف يعتبر «دمية» بيد الاميركيين، لذلك خرج الناس لإلحاق الهزيمة به.

ويضيف عمران خان: «مشرف فشل والباكستانيون ارادوا ابعاده، لذلك نرى انه في السند اكتسح «حزب الشعب» وفي البنجاب اكتسح نواز شريف، وإن كان البعض صوّت لـ«حزب الشعب»، لكن نواز شريف كان الخط الاقوى والأقسى ضد مشرف، رفض المساومة معه وقد وجد البنجابيون الفرصة وصوتوا مع شريف، وفي مناطق الحدود اختار الناس الحزب العلماني «الحزب الوطني العوامي/ الباشتون»، لأن التحالف الاسلامي عُرف بتحالفه السري مع مشرف».

واسأل خان عما اذا كان يعتقد بأن مشرف ساعد بطريقة غير مباشرة على الحاق الهزيمة بالإسلاميين لا سيما في المناطق الحدودية؟ يجيب: «ان مجلس العمل المتحد الذي يرأسه مولانا فضل الرحمن كان سراً متحالفاً مع مشرف، وان كان علناً يتصرف وكأنه من المعارضة. ويجب ان نتذكر ان حكومة مولانا فضل الرحمن في المناطق الحدودية لم تحرك ساكناً عندما كان الباشتون يُقتلون في المناطق القبلية، لهذا تخلى الناس عن مجلس العمل المتحد».

وذكرت معلومات في نهاية الاسبوع الماضي، ان مشرف هدد بإلغاء قانون «المصالحة الوطنية» الذي بموجبه اسقط تهم الفساد عن بنازير وزوجها آصف زرداري فعادا الى العمل السياسي ـ وإعادة اعتقال زرداري، اذا لم يتكفل بإقناع حزب نواز بقبول مشرف رئيساً، وحسب المعلومات فان نظام مشرف طلب من المحاكم السويسرية استئناف الاحكام ضد زرداري وان الاخير سيجد نفسه مضطراً لقبول بقاء مشرف رئيساً.

واسأل عمران خان عما اذا كان يرى «مشرف» رئيساً بعد سنة من اليوم؟

يجيب: «لو ان مشرف يحترم نفسه لاستقال ورحل بسلام، لكن مع تمسكه بالسلطة سيغرق اكثر، وللأسف فان الدعم الوحيد المتبقي له هو في البيت الابيض في واشنطن، وما زالت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس تقول: «انه رجلنا»، لكنه يضيف، انه يعتقد بان الاميركيين صاروا يبحثون عن «حصان» آخر لدعمه، على كل، انها النظرة الاميركية القصيرة المدى، لأنهم يجب ان يدعموا الحكومة الديموقراطية في باكستان تماماً كما يفعلون في الهند، حيث يدعم الاميركيون اية حكومة تفوز في الانتخابات، لا يختارون هناك احصنة، وهذا خطأ كبير يرتكبونه هنا بعدم دعمهم للعملية الديموقراطية. دعموا ويدعمون مشرف. انهم يكررون الخطأ نفسه الذي ارتكبوه مع شاه ايران، دعموه ضد العملية الديموقراطية، فانقلب كل الديموقراطيين على الاميركيين هناك».

لكن في ايران، فان الديموقراطيين الذين تتحدث عنهم كانوا رجال الملا ولم يكونوا ديموقراطيين؟ يجيب خان: «هذا ما كان تبقى، لقد دمر شاه ايران كل الحركات العلمانية والليبرالية والديموقراطية واليسارية، فلم يبق سوى المساجد». وهل تعتقد بأن مشرف يمكن ان يقلب الطاولة عليكم ويُقدم على اعتقال اسامة بن لادن وأيمن الظواهري وتقديمهما الى الاميركيين؟ يجيب عمران خان: لا اعتقد بأن مشرف لديه هذه الورقة، لا احد يعرف اين هما.

ويرى خان ضرورة التغيير الجذري لسياسة باكستان ضد الارهاب، ويستشهد برئيس الاركان الاميركي الجنرال مايكل مالن الذي اعلن في باكستان اخيراً، انه لا حل عسكرياً للحرب على الارهاب.

وفي وقت يبحث الحزبان الرئيسيان تشكيل الحكومة التي قد يترأسها مير مخدوم فهيم (حزب الشعب) يقول عمران خان ان السياسة الداخلية يجب ان تركز على دعم المزارعين، «لأنه في ظل مشرف وفي ظل رئيس الوزراء «المستورد» المصرفي شوكت عزيز، أُزيل كل الدعم عن الفلاحين الفقراء. لقد دمروا الانسان العادي في باكستان. اعتمدوا سياسة غير انسانية، لم يكن مشرف او عزيز من الديموقراطيين، لم يعرفوا ما يجري للناس. لذلك، فان اول عمل يجب على الحكومة الديموقراطية عمله هو اعادة دعم المزارعين، كي تنخفض الاسعار، ويصير في استطاعتنا محاربة التضخم الذي يقضي على الانسان العادي، وبالذات التضخم الغذائي. ان باكستان دولة غنية زراعية».

ويعرّج خان على السياسة الخارجية الباكستانية التي يجب ان تكون للمصلحة الباكستانية اولاً وليس للمصلحة الاميركية ويقول: «لا نستطيع تغيير جيراننا. العلاقة مع الهند وأفغانستان وإيران يجب ان تكون علاقة الجيرة الحسنة وعدم التدخل، والأهم علاقتنا مع اميركا التي يجب ان تبطل ان تكون على قاعدة: السيد والمسود، انما علاقة صداقة».

وكان عمران خان زعيم حزب «حركة العدالة» قد قاطع الانتخابات انطلاقاً من مبدأ، فحركته تدعو الى نظام يحترم استقلالية العدالة والقضاء وعندما تحرك الجسم القضائي الباكستاني دفاعاً عن استقلالية قراره، ومن اجل احترام الدستور وواجه الرئيس برويز مشرف، أقدم الاخير على طرد القضاة وإعلان حالة الطوارئ وعلق العمل بالدستور، ودعا الى انتخابات رئاسية. ويقول عمران خان: «كان لا بد لنا من الوقوف الى جانب القضاة، قاطعنا الانتخابات لإظهار تضامننا مع القضاة الذين طردوا».

الحزبان الرئيسيان اللذان فازا في الانتخابات «حزب الشعب» و«رابطة العمل الاسلامي» اعلنا عن توافقهما على تشكيل حكومة تحالف بينهما، لكن ظلت بعض القضايا الحساسة غير واضحة ازاء نظرة كل طرف اليها، اهمها، اعادة الجسم القضائي. يقول عمران خان «عليهما إعادة القضاة، فإذا لم يفعلا، فإنني اخبرك، بان المحامين وتحالفي (حركة العدالة، والمجتمع المدني الباكستاني، حوالي عشرين حزباً)، سننزل في مظاهرات في الشوارع، فأول عمل يجب ان يكون اعادة رئيس القضاء الاعلى افتخار شودري» ويضيف: «هذا لمصلحتهما خصوصاً اذا ما ارادا منع المؤسسة العسكرية من التدخل وزعزعة الحكومة».

ومع اعتراف عمران خان بأن هذه الانتخابات لم تكن شرعية، بسبب تعليق عمل الجسم القضائي والعمل بالدستور الا انه كما يقول: «اننا نحترم تفويض الشعب، وان كنا لا نوافق على ان مشرف رئيسنا الدستوري».

والمعروف ان رئيس الاركان الباكستاني الجنرال اشفق برويز قياني خدم مع بوتو، ونواز ومشرف، فإلى جانب من سيقف؟ يجيب عمران خان: «اذا لم يتدخل قياني في العملية الديموقراطية وأوقف الجيش والجناح السياسي للاستخبارات على الحياد، واحترم الدستور وشجع على اعادة القضاة، عندها سيصبح بطلاً...» وعن صداقته مع مشرف الذي عيّنه؟ يجيب خان: «لقد علّمنا تاريخنا ان لا احد يبقى صديقاً لأحد عندما يصبح في موقع هام. بل يصبح صديق نفسه وصديق موقعه».

هل تعني انه لن يساعد مشرف ليصبح من جديد الرئيس المطلق الصلاحيات؟ «اطلاقاً. ايضاً تعلمنا من تاريخنا، ان كل الزعماء العسكريين الديكتاتوريين اطاح بهم الجيش».

لن يكون لعمران خان اي دور في الحكومة الجديدة، او اي منصب «لكن اذا لم يعد القضاة، صار دورنا معروفاً، سنتظاهر في الشوارع».