اللغز التركي في حملة العراق!

TT

لم تقنع بيانات القيادة العسكرية التركية، حول انجاز المهمة وقرار العودة السريع من شمال العراق، الداخل التركي خاصة وان الساحة السياسية مقبلة على أيام صعبة، اذا ما أضيف اليها سخونة المواجهة حول موضوع الحجاب المتفاعل وقانون مجلس النواب الأخير المتعلق بمسألة أوقاف الأقليات غير المسلمة في تركيا الذي أغضب الكثير من الجماعات والحركات القومية في البلاد.

المعارضة تستعد للانقضاض على حزب العدالة والتنمية وأسلوبه في ادارة الحملة العسكرية الأخيرة ومواجهته بالكثير من الأسئلة والاستفسارات حول قرار الانسحاب العاجل وأسبابه، وهو القرار الذي فاجأ رئيس الوزراء أردوغان نفسه حين عاش ساعات من الارتباك واضطر لسحب وتغيير كلمته التي كان قد أعدها ووزعها باكرا على وسائل الاعلام يشيد فيها بالجنود وبالمعارك التي ستستمر حتى إنزال الضربة القاضية بحزب العمال الكردستاني، فعدلها في اللحظة الأخيرة بدعوة مقاتلي الحزب للعودة الى بيوتهم وأسرهم وأحضان الدولة. مثلما فاجأتنا العملية العسكرية التركية في شمال العراق بتوقيتها وسرعتها وحجمها، كذلك فوجئنا بوضع نهاية عاجلة لها والانسحاب، فيما كان الجميع منهمكا في شرح وتفنيد الجوانب الكثيرة لهذا التحرك وأبعاده السياسية والاستراتيجية. وطبعا لسنا وحدنا من وقع في المطب فرئيس الوزراء الكردي في حكومة اقليم شمال العراق نيشروان البرزاني نفسه قال ان العملية تستهدف مباشرة مشروع الحكم الذاتي وبنيته التحتية وإنجازات الحكومة الكردية في شمال العراق، موحيا أن ما يجري له علاقة مباشرة ببداية المشروع التركي الإقليمي والذي قد يستغرق اسابيع وربما أشهرا. ما الذي حدث على الأرض حتى تبدل أنقرة رأيها بهذه السرعة وتترك نفسها أمام حالة من «خيبة الأمل» خصوصا على المستوى الشعبي؟

لماذا ضغطت واشنطن على الحكومة التركية على هذا النحو وتمسكت بالانسحاب العاجل غير المشروط من الأراضي العراقية وماذا يعني ارسال بوش لوزير دفاعه غيتس الى أنقرة لإبلاغ ذلك مباشرة الى القيادات التركية ؟ هل انتهى مفعول التنسيق التركي ـ الاميركي الأمني في حملة الشمال عند هذا الحد وباتت واشنطن تنتظر من حكومة أردوغان طرح البدائل السياسية الاصلاحية العاجلة حيال الملف الكردي أم أن البيت الأبيض اكتشف في اللحظة الأخيرة أن أنقرة تعد لاستراتيجية مغايرة تماما لما اتفق عليه الجانبان حول مسار العمليات العسكرية وأبعادها ؟ احتمال ثالث مقلق هو أن تكون ادارة بوش تحاول هنا تصفية حسابات قديمة مع أردوغان تعود الى الاول من مارس 2003 حين ترك الأخير بوش وحيدا في غزو العراق رغم الوعود المقطوعة ؟

هل يكون المسؤول الاخر هو الصحافة التركية التي أعدت المواطن التركي من خلال تحليلاتها اليومية وعلى مدى اسبوع لتعبئة نفسية؟ هل كان للعمليات أهداف أخرى أنجزت فعلا وبينها توجيه رسائل الى قيادات الشمال الكردية للتنبه الى سياساتها في التعامل مع موضوع حزب أوجلان ومراجعة مواقفها في مسائل المادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة بمستقبل مدينة كركوك وغيرها من القضايا المرتبطة مباشرة بالخطوط الحمر التركية في العراق ؟ هل أنجزت أنقرة فعلا هذه المهمة وهي باتت اليوم تنتظر الجواب الذي قد يحمله الرئيس العراقي جلال الطالباني الى الاتراك بنفسه خلال زيارته المرتقبة الى انقرة منتصف الشهر الحالي؟ هل يحتمل أن يكون الجواب على كل هذه الاسئلة عند مستشار رئيس الوزراء التركي الأكاديمي المعروف أحمد داوود اوغلو الذي قصد بغداد خلال احتدام المواجهات ناقلا رسائل مباشرة من القيادات السياسية التركية تحمل اقتراحات نقل على أثرها ردود بغداد المطمئنة الى أردوغان وكانت هي نقطة الحسم في انهاء العمليات العسكرية وترجيح الخيار السياسي ؟

كومة من الألغاز تنتظر حكومة العدالة للاجابة عنها ويبدو أن تصريحات ودخول قائد الجيش التركي يشار بيوكانت في اللحظة الأخيرة على الخط بهدف تخفيف الضغوطات عن الحكومة حين قال ان القيادة العسكرية هي التي اتخذت كافة القرارات الميدانية وأنها تتحمل مسؤولية ذلك، سيترك المؤسسة العسكرية أمام انتقادات داخلية سياسية حادة.

* كاتب وأكاديمي تركي