احتواء العاصفة

TT

أصبح صعبا في عالم اليوم الذي يتداخل فيه اقتصاد العالم وتنساب فيه الأموال من قارة إلى أخرى في لحظات بضغطة زر أن يكون أحد بمنأى عما يحدث في سوق رئيسية على بعد آلاف الأميال ولذلك عندما تفاعلت أزمة خامس أكبر بنك استثمار أميركي يوم الجمعة صحت أسواق الأسهم الخليجية يوم الأحد على هبوط رغم أن الأسواق العالمية كلها كانت مغلقة.

ولم يعد النقاش أو الجدل يدور حاليا بين أصحاب القرار السياسيين والاقتصاديين وعالم الأعمال أو الاستثمار حول ما إذا كانت هناك أزمة أو مجرد كبوة مؤقتة بل عن مدى عمق هذه الأزمة التي بدأت أولا من أميركا بسبب مشاكل بعض أدوات الرهونات العقارية هناك وامتدت إلى بقية العالم في الأشهر الأخيرة لتصيب القطاع المالي بشح في السيولة وحالة معقدة من التباطؤ الذي يهدد بركود مصحوب في نفس الوقت بتضخم في الأسعار بما يربك السلطات النقدية المفترض أن ترفع الفائدة أوقات التضخم وتخفضها عند الركود لكن عندما يترافقا معا تصبح المشكلة أعمق.

مظاهر عمق الأزمة تمثلت في اضطرار مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي إلى اتخاذ إجراء عاجل بدون انتظار اجتماعه الثلاثاء بخفض إحدى الأدوات الرئيسية المحددة لسعر الفائدة يوم الأحد وإعلان تسهيلات جديدة لمساعدة المؤسسات الكبيرة وذلك بعد أن جرى بيع البنك المتعثر بير ستيرنز بسعر دولارين فقط للسهم بعد أن كان سعر اقفاله يوم الجمعة نحو 30 دولارا وفي يناير 169 دولارا.

وجاء إنذار آخر من مدير صندوق النقد الدولي أمس بقوله إن الأزمة المالية الحالية ستدوم طويلا وتكون لها عواقب اقتصادية وخيمة مشيرا إلى أن الدول الناشئة ستتضرر أيضا من هذه الأزمة التي ضربت الاقتصاد الأميركي أكبر اقتصاديات العالم وامتدت إلى أوروبا.

في المنطقة العربية هناك وجهان للعملة فهناك التأثير على الأسواق النابع من أزمة الثقة العالمية وارتفاع معدلات التضخم التي نتج عنها ارتفاع عام في أسعار السلع بما يضع أعباء جديدة على المستهلكين خاصة فيما يتعلق بالسلع الغذائية مثل القمح قد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية. أما الوجه الآخر للعملة فهو حجم السيولة المالية الضخم الذي تحقق نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط والذي راكم فوائض أكبر من قدرة الأسواق المالية على استيعابها. في الوقت ذاته فان الدولار المتراجع بشدة يفرض ضغوطا على العملات المحلية بدون وجود خيارات سهلة مع ارتباط الدولار بتسعير النفط والاستثمارات في الخارج المقومة به. وفي حالات مثل التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليا والتي تترافق أزمته مع تغيرات هيكلية في تركيبته بعد فترة صعود طويلة نسبيا يصبح الأسلم هو الاستعداد للعاصفة باتخاذ الاحتياطات التي تؤدي إلى مرورها بأقل قدر من الخسائر، وفي نفس الوقت الاستفادة من الأوضاع والظروف الخاصة في ركوب الرياح القوية القادمة لمصلحة الاقتصاديات المحلية. وهناك ميزة في المنطقة العربية حاليا خاصة في الخليج، وهي انها تتمتع بقوة مالية غير مسبوقة نتيجة الفوائض المالية النفطية بما يجعل عنصر الثقة فيها عاليا إذا نحيت جانبا عوامل المخاطر السياسية وهو ما يمكن أن يجتذب المستثمرين الحائرين الذين يبحثون عن أسواق أكثر أمنا وعائدا على المدى الطويل. أيضا فان الفوائض المالية يمكن أن تلعب دورا أكبر إذا تم ضخ أجزاء لتوسيع رئة الاقتصاد الإقليمي شرط أن يتم ذلك بحساب حتى لا يحدث تضخم جنوني. أخيرا فهذه ليست أول أزمة ولا آخر أزمة في دورات الاقتصاد العالمي وستمر بعد فترة والأسلم هو محاولة استيعابها والخروج منها بأقل الخسائر.