الرجل الذي قطع دابره

TT

هناك صديق لم يتزوج في حياته قط، وما زال عازباً، وهناك احتمال مؤكد انه سوف يستمر إلى ما شاء الله على هذا الصراط شبه المستقيم.

وعرفت منه أن هناك حادثة سببت له عقدة نفسية، جعلته يتخذ مثل هذا الموقف الذي لا رجوع فيه ضد (المؤسسة الزوجية).

لم اقتنع بتبريره، ولا باستسلامه لتلك العقدة النفسية التي تعلل بها، غير انني في نفس الوقت لم أقدم له أية نصيحة، ولم أحاول أن أثنيه عن موقفه الذي قد يكون فيه اسعد من (قبيلة) كاملة من المتزوجين، فهو حر، إن أراد أن يجوع فليجع، وإن أراد أن يأكل فليأكل، وإن أراد أن يرقص فليرقص، وإن أراد أن يجالس العلماء في مجالسهم فليجالس، وإن أراد أن يركض في حوش منزله بالملابس الداخلية فقط فليركض.

هذا هو مبدئي الذي فطمت وجبلت وما زلت أعض عليه بالنواجذ ـ ألا وهو مبدأ (الحرية) الشخصية غير المؤذية للآخرين.

خلاصة القول أو الحادثة، أن ذلك الأعزب أراد يوماً أن يكمل نصف دينه، واستقر رأيه على فتاة من أسرة كريمة، وعرف أن والدها في تلك الأيام موجود في (استراحة) له خارج مدينة الرياض، اتصل بهم تلفونياً وحددوا له موعداً بالمساء لتناول العشاء معهم في الاستراحة الزراعية.

ويقول: بعد أن وصلت إلى هناك أوقفت سيارتي أمام الباب الخارجي الكبير للاستراحة ونزلت وأغلقت السيارة وكنت خلال الطريق اشرب الماء من زجاجة صغيرة، فقررت أن أتخلص منها بقذفها في حاوية الزبالة الكبيرة العميقة، وفعلاً قذفتها وإذا بي اقذف معها لا شعوريا مفتاح باب السيارة، حيث أنهما كانا في يدي اليمنى وكنت وقتها مرتبكاً و(سرحاناً)، وأفكر بالكلام الذي سوف أقوله لوالد الخطيبة.

ووقفت صامتاً مذهولاً لعدة دقائق من هول المفاجأة غير المتوقعة.

وأخيراً عقدت العزم على الدخول (وايش ما يكون يكون)، والصباح مثلما يقولون رباح.. ضربت جرس الباب، وفتح لي الحارس الباب، واستقبلوني إخوان الخطيبة بالداخل على درج المنزل، كما أن والدهم رحب بي بكل لطف وسرور، وفاتحتهم بالموضوع ووجدت منهم حسن القبول، وتناولنا طعام العشاء بما لذ وطاب، وسط الكثير من الضحكات والدعوات بالرفاء والبنين.

وعندما أردت أن اخرج ذهبت (السكرة) وأتت (الفكرة) سريعاً، حالما تذكرت مفتاح السيارة وحاوية الزبالة، خرج إخوان الخطيبة ليوصلوني إلى سيارتي مودعين زيادة منهم بتكريمي، غير أني أقسمت لهم بالأحلاف الغليظة ألا يخرجوا، وبعد مجهود عويص تركوني، وعندما أصبحت في الخارج فكرت في سيارة تاكسي غير أن المنطقة لا تأتيها التكاسي إلاً نادراً، عندها توكلت على الله وشمرت عن أكمامي ورفعت ثوبي وقفزت داخلاً في حاوية النفايات وأخذت اقلب بحثاً عن ذلك المفتاح الصغير التعيس دون جدوى، ومن غضبي ويأسي وسباقي مع الزمن أخذت ابعثر الزبالة في كل جانب، وتلطخت وتوسخت ثيابي، وبينما كنت في هذا الموقف الذي لا أحسد عليه، فإذا بالشيخ الوالد ومعه أبناؤه يخرجون في سيارتهم (الروز رويس) الفارهة ويتوقفون برهة ينظرون لي غير مصدقين، ولا أنسى رؤية والدهم وهو يرمقني بازدراء ثم يؤشر بيده للسائق أن يواصل السير، ولا ادري إلى الآن ماذا فكروا وماذا تكلموا عني بعد (وقعتي السودا) المهببة تلك.

طبعاً لم اتصل بهم بعد ذلك أبداً، ومن يومها قررت أن أعاقب نفسي، وأقطع دابري.

[email protected]