«السفاح» كان قارياً لا بريطانياً

TT

لم يشغل بريطانيا مجرم كما شغلها: منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم، تكتب المقالات وتوضع الكتب وتتجدد النظريات حول «جاك السفاح». أو هكذا عرف بالعربية. لكن اللقب الأكثر دقة كان «جاك ممزق الأحشاءات». فقد كان يترك توقيعه على أجساد ضحاياه، وجميعهن من المومسات، بأن يمزق أجسادهن ويترك للطبيب الشرعي مهمة وصف الجريمة المرعبة.

جميع الروايات التي كتبت عن سفاح القرن التاسع عشر ظلت في باب التخمينات. والآن صدر كتاب بعنوان «الثعلب والذباب: عالم جوزف سيلفر» يعيد كتابة حياة السفاح في عملية بحث تاريخي مضنية ومذهلة معا، تجعل الأسطورة نفسها تضمر أمام الوثائق. «جاك السفاح» الحقيقي لم يكن بريطانياً. كان بولونياً من أصول يهودية سافر إلى بريطانيا يتاجر بالنساء. وحملته تجارته إلى جنوب أفريقيا. وحتى إلى شيكاغو.

صرف المؤرخ الجنوب أفريقي فان او نسلن نحو ثلاثين عاما في ملاحقة خط السير الذي اتبعه السفاح، ابتداء من «مبنى ميللر» شرق لندن، حيث عثر على ضحية السفاح الأخيرة في بريطانيا. وقد عثر على «مفتاحه» الأول في أواخر السبعينات في المكتبة الوطنية في جوهانسبرغ. ثم تتبع مسيرة جوزف سيلفر في العالم السفلي إلى فرنسا وهولندا واسكندينافيا ومن هناك إلى ريو دو جانيرو وبوينس ايرس والشيلي، وكانت آخر معلومات مدونة عنه في سجن باروسلوف، بولندا، بعد نهاية الحرب الأولى حيث يعتقد أنه أعدم في ما بعد بتهمة التجسس.

عندما ذاعت جرائم السفاح في بريطانيا أواخر القرن التاسع عشر، سرت إشاعات تقول إنه يهودي. ورفض الكثيرون الفكرة على أساس أنها جزء من حملة معادية للسامية.

وكان جميع المشبوهين الذين اعتقلوا آنذاك من اليهود، مع أن التهمة لم توجه إليهم رسميا. وقال أحد الشهود يومها إن للسفاح «معالم أجنبية» بينما قال آخر إنه «يبدو مثل يهودي». تزوج جوزف سيلفر ثلاث مرات، وتوفيت زوجته الأخيرة عام 1945 في مصح عقلي في جنوب أفريقيا، ويؤكد الكاتب «دون أي شك أن سيلفر هو جاك السفاح».