قمة دمشق.. رسالة من العرب إلى العرب

TT

الإيجابي جدا في قبول كل الدول العربية الحضور الى قمة دمشق، هو أنها أظهرت هذه المرة، من الحكمة العربية الرسمية الشيء الكثير، وأنها أطاحت بكل التكهنات والتمنيات التي كانت تراهن على عدم انعقادها.

إن هذا القبول ليقيم الدليل على التحول الكبير في الممارسة السياسية العربية وفي هذا بلا شك رسالة من العرب الى العرب، ومن العرب إلى دمشق، التي لربما ظنت في فترة ما أن الأشقاء تألبوا عليها وانقلبوا ضدها. لكن الذي حصل أنه رغم كل الاختلافات في وجهات النظر، فإن ذلك لم يقد الى قطيعة أو أنه أطل على مأزق. ولا بد في هذا الصدد من الثناء على الموقف السعودي والمصري الحكيم، الذي قرر أن يستوعب الواقع وأن يتعامل معه مطفئا بذلك فتيل أزمة، وواضعا نهاية لمعوقات موضوعية، كان يمكن لها لا أن تلغي هذه القمة فقط، بل وأيضا أن تربك الوضع المتأزم بطبعه.

لقد كثر في الأسابيع الاخيرة الضجيج حول قمة دمشق المرتقبة في أواخر الشهر الجاري؛ ضجيج رغم ملازمته الدورية للقمم السابقة، فإنه بدا في هذه المرة أكثر حدة وتعقيدا بسبب عدة توترات على رأسها التوتر اللبناني السوري وأزمة انتخاب رئيس في لبنان. ومفاد الضجيج بالنسبة الى هذه القمة تحديدا أنه في مرحلة ما وجدت معارضة لمقر انعقاد القمة وهو ما تؤكده الدعوات المتسربة إعلاميا والداعية وقتها لنقل القمة إلى شرم الشيخ، أو ما تضمنته إحدى الأطروحات من أن دولة مقر انعقاد القمة تؤثر في النتائج ولا تلتزم الحياد. بل إن الضجيج بلغ مناطق أخرى على غرار إعادة طرح الجدوى من مسألة دورية الانعقاد الدوري للقمة العربية، والحال أنها تجسد مبدأ وافق عليه القادة والزعماء العرب، إلى جانب الذين توغلوا في المسحة التشاؤمية وكأنهم يطالبون بغلق مؤسسة الجامعة العربية، مشيرين إلى أن نحو 250 قرارا صدر عن القمم العربية وظل دون مستوى التنفيذ.

كل هذا الضجيج، لخصه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بقوله: «إنها تعقد في لحظة من أسوأ لحظات الوضع العربي».

ولكن المشكل أن هذه اللحظة الأسوأ عوض أن تزيد من ضرورة عقد القمة والإلحاح على ذلك وتكريس الحوار في كيفية مقاربة التعقيدات الراهنة في المنطقة، نجد أن الضجيج هو الطاغي على مرحلة ما قبل انعقاد القمة مركزا اهتماماته ـ أي الضجيج ـ على مقر الانعقاد وعلى مناقشة مبدأ من المفروض أنه ليس مطروحا للنقاش، ونقصد بذلك ميثاق دورية انعقاد القمة. ضجيج لا نعثر له على أثر في قمم الاتحاد الأوروبي أو الأفريقي. في حين يفوز بكل الأثر في الجانب العربي.

وإذا كنا في الحقيقة نجد ما يبرر جزءا من الضجيج الحاصل باعتبار الخلاف السوري اللبناني وتشعبات ذلك الخلاف المدجج بالاتهامات، فإن المنطق يرى في المبررات ذاتها رصيدا من الأزمات، يزيد من مشروعية انعقاد القمة وتغليب خيار المواجهة الصريحة والشجاعة والمسؤولة، التي توفر للأطراف محل الخلاف الحد الأدنى من حقها.

إن هذه القمة بالفعل تتزامن مع لحظة عربية عصيبة، الأمر الذي يجعل من كيفية انعقادها وجدول أعمالها وما ستتمخض عنه من قرارات ومبادرات لا مفر من أن تكون جريئة وفي المستوى الأدنى للانتظارات وذات رؤية مصيرية تجدد مضامين المشروعية السياسية للقادة العرب، ذلك أن ملفات مثل الوضع في فلسطين ببعديه الفلسطيني ـ الفلسطيني والفلسطيني ـ الإسرائيلي، ومنصب الرئاسة اللبناني الشاغر، تحتاج إلى مواقف عملية ومتفق عليها، خصوصا أن بعض المراقبين يتحدثون عن مشروع اندلاع حرب في المنطقة خلال الصائفة المقبلة، إذا ما تواصلت التوترات وتراكمت بشكل يؤدي الى انفجار على شكل حرب يذهب ضحيتها الأطفال والنساء والمدنيون والأبرياء، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في صنع هذه الغابات الكثيفة من التوتر والتراشق والتلاسن. لذلك، فإن المجتمعات العربية تعول على القادة العرب الحياديين نسبيا في التوترات الراهنة، كي يتدخلوا بالحكمة وبالعقل السياسي الراجح الذي يفكر في تحصين ما تبقى من الأجساد والدماء العربية غير المنتهكة.

وفي هذا السياق، فإن المجتمعات العربية، ونظرا لإيمانها بعروبة سورية وحرصها على المصالحة العربية، تنتظر من دمشق مرونة ورحابة غير عاديتين.

[email protected]