النظارات السوداء

TT

كل عام يتذكر العالم تشي غيفارا. وكل عام تتكرر صورة واحدة له، الملصق الذي يمثله بالبيريه الفرنسية. وأحيانا تنشر الصحف صورة جثته بعد قتله في غابات بوليفيا. تمثل الصورة الجثمان محاطا بالجنود الذين أدوا المهمة، لكن من دون ذكر أسماء. من يريد أن يذكر اسمه في اغتيال تشي غيفارا في ذلك الوقت؟

الغريب في الجريمة السياسية أننا نادرا ما نعرف اسم القاتل، أو حتى نحاول أن نعرف. باستثناء جون كينيدي وهارفي اوزوالد لم نعرف سوى القلة. للمرة الأولى قرأت قبل أيام اسم قاتل غيفارا. لم يكن صاحب الإصابة الأولى وإنما كان الرجل الذي أجهز عليه بعد إصابته. كان عريفا في الجيش البوليفي يدعى ماريو تيرانا.

بعد يومين من مقتل غيفارا بدأ تيرانا يشعر بالخوف، وبدأت الأشباح تطارده. لم يعد يمشي إلى الأمام، بل صار يمشي إلى الأمام ورأسه إلى الوراء. شعر، إضافة إلى الخوف، بألم في العنق. الجيش الذي كلفه بالإجهاز على غيفارا أقدم على تسريحه. لا حاجة له برجل يفقد لياقة الاغتيال.

فكر ماريو تيرانا أن أسهل وأرخص سبل التخفي، كما يروي ريزارد كابوشنسكي، هي النظارات العريضة السوداء. ذهب واشترى نظارات عريضة سوداء. لكنه سرعان ما بدأ يخاف النظارات العريضة السوداء لأنها قد تدل منتقمي غيفارا عليه. دخل منزله وأغلق الباب بإحكام ولم يعد يخرج لفترة طويلة. لكنه بدأ يشعر بخوف من بيته. إنه فخ سهل وعنوان معروف.

ترك بيته وهام. وذات مساء وصل إلى قرية صغيرة فقيرة تدعى «مادري دو ديوس». وخاف أن يقرع المنازل بحثا عن مكان ينام فيه. وفيما يمشي في أزقة القرية بعدما كان قد خلع بزته العسكرية وقبعته العسكرية ونظارتيه السوداوين وأخذ يشعر بالعطش لأنه توقف عن شرب السوائل وبالجوع لأنه توقف عن الطعام، تذكر أنه لا يزال يملك شيئا واحدا: المسدس الذي أجهز برصاصاته على غيفارا الجريح وهو ينزف لكي يتأكد من موته. مد ماريو تيرانا يده إلى وسطه وانتزع المسدس وأطلق النار على صدغه. ولم يمت قبل أن يتـأكد من أنه لن يخاف بعد الآن.