الصحافة والحرب

TT

في المقارنات أن الحرب العراقية كانت الأسوأ في الحروب بالنسبة الى الصحافيين. أعلنوا ذلك مرفقا بالأرقام الموثقة، وما قال أحد لنا لماذا حرب العراق ـ أو حروبه ـ هي الأسوأ على أهل الصحافة. والجواب بسيط: لأنها الأسوأ بين الحروب على الجميع. على العراقيين وعلى الأبرياء وعلى نساء العراق وعلى أطفال العراق. و250 صحافيا لا يشكلون أي نسبة من 250 ألف عراقي. وهو الرقم الأكثر تواضعا بين أرقام القتلى. لكن أهل الصحافة اعتادوا أن يرثوا ضحاياهم منفردين، باعتبار أن ثمة مواثيق ومعاهدات واتفاقات واعتبارات وعادات وتقاليد، تحمي عملهم وتنقلاتهم.

لكن هذه المعاهدات والاتفاقات والاعتبارات والمواثيق والتقاليد، تحمي الآن المدنيين وغير المقاتلين والأطفال والعجزة والنساء. وحروب العراق لم تتوقف لحظة أمام أي من هؤلاء. إنها حرب شنها جورج بوش على العراق وغابة فتحها العراقيون على بعضهم البعض ناهيك «من المقاتلين العرب» المتطوعين المتبرعين لتوسيع برك الدماء وتحويل النهرين الى ثلاثة، ثالثهما دماء الأطفال والنساء والفقراء والمساكين. لم تقتل متفجرات العراق شخصا واحدا له مسؤولية حقيقية في جرائم التفتيت المتفرعة الاتجاهات.

وفي أية حال، كانت حرب العراق أخطر الحروب على الصحافيين لأنهم لم يكونوا يعرفون من هو عدوهم. كان عليهم أن يخافوا من جميع المتقاتلين كما خافت الأمم المتحدة التي دفنت في بغداد أفضل ما عندها من رجال ونساء. وكانت القاعدة التي اتبعها جميع المراسلين الدوليين في بغداد هي ألا يصوروا في أي مكان أكثر من ربع ساعة. وبعدها ينتقلون الى مكان آخر قبل أن يراهم من يراهم ويتصل بالهاتف بمن يجب أن يتصل به ويقوم ذلك بإعداد المتفجرة والمتفجر وفيديو الشهادة.

وتعتمد شركات مثل البي. بي. سي على مستشارين في شؤون الأمن، غالبا من رجال «العاصفة» السابقين. ويضم الفريق التلفزيوني في بغداد، دائماً، فريقاً من الحراس والخبراء. ويلقى الصحافيون من العناية والاهتمام والمكافأة أكثر مما يلقاه معظم العراقيين الذين كان من حظهم ثلاثة رجال: صدام حسين، ثم جورج بوش، ثم جورج بوش. لقد فعل الأخير كل ما تحاشى والده أن يفعل. بوش الأول كان طيارا وبطلا من أبطال الحرب العالمية الثانية. كان يعرف معنى الحروب ومعنى شرعية الحروب ومتى تبدأ وأين يجب ان تنتهي. وبوش الثاني كان هاربا من الجندية لا يعرف الفرق بين إيران والعراق. ولم يعد فارق بينهما في أي حال.