العظمة ليست فهلوة!

TT

عيب رئيسي في الكتب التي تصدر عن حياة العظماء أنها تجعل العظمة شيئا مستحيلا.. فهذه الكتب تصور العظماء على أنهم مجموعة من الشواذ على حافة الجنون.. وظروفهم كلها مستحيلة.. وصعوباتهم خارقة .. ولهم قوى شيطانية تحطم الأسوار والجبال وتشق البحار... الخ.

وليس معنى ذلك أن العظماء ليست لهم صفات غير عادية، أو ليسوا إلى حد ما شواذا، لكن هؤلاء العظماء مع ذلك، أناس عاديون.

وقد دلت التجارب التي أجريت في معاهد الدراسات النفسية في أوروبا وأمريكا على أن العظماء أناس متوسطو الذكاء، ومحبون للعزلة، ولهم أساليب غريبة في الحياة، فهم غير اجتماعيين، لأنهم ميالون إلى العزلة، ليفكروا ويبتكروا، وهذه العزلة الطويلة جعلتهم ينسحبون من الحياة الاجتماعية، وجعلت الحياة الاجتماعية غير قادرة على أن تفرض عليهم طرقا خاصة من التفاهم والتعامل بين الناس.

ولكن من المؤكد أن العظماء جميعا يشتركون في صفة واحدة وهي القدرة على العمل، والصبر، فلا يوجد عظيم واحد ليس من صفاته العمل الشاق والاحتمال، احتمال الحياة، واحتمال العذاب من أجل مبادئه السياسية أو الفلسفية أو العقلية.

وقد لوحظ أن الأطفال الأذكياء جدا كسالى، ويعتمدون على حسن إدراكهم، ويثقون في قدراتهم أكثر مما يجب، أما متوسطو الذكاء فهم الذين لا يثقون في أنفسهم، وإنما يثقون في التجربة، وكلما أثبتت الأيام صحة آرائهم أو تجاربهم زاد رصيدهم من الثقة بالنفس.

إن الذي يستعرض حياة الموسيقار بتهوفن يجد أنه كان كالذي يقطع الصخور ويشق الأنفاق.. فقد كانت حالته العصبية عنيفة، وكانت حالته العضلية مؤلمة، ولم يكن الإبداع الفني عنده شيئا كالبرق، يلمع في ثانية، ويسجله على الورقة في دقيقة، ويقدمه للناس بعد ساعة، وإنما كان عملا صعبا واستمرارا مضنيا.

إننا في كل ما نكتبه عن العظماء يجب أن نعلم أن حياتهم كانت شاقة، وأنهم تغلبوا عليها وتفوقوا على غيرهم.. ولكنهم أولا وأخيرا بشر مثلنا.. وأن العظمة والامتياز والتفوق كلها صفات ممكنة لكل من يعمل ويتعب ويصبر.. فالعظمة بالعمل وليست بالفهلوة!