لا سلام من دون حماس

TT

تجلب خطة جيمي كارتر في زيارة قيادة حماس هذا الاسبوع، الأمانة والبراغماتية في الشرق الأوسط، بينما تؤكد حقيقة أن السياسة الأميركية قد وصلت إلى طريق مسدود. فوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تتصرف وكأن إجراء تعديلات قليلة هنا وهناك، سيجعل سياسة التمييز العنصري تعمل بشكل أفضل. وبينما تقنع رايس قوات الاحتلال الإسرائيلي بتقليص بضع عشرات من حواجز الطرق من بين تلك التي تزيد عن 500 في الضفة الغربية، فإن هذه القوات تخنق بشكل متزامن تجهيزات الوقود لغزة، وتحاصر مليونا ونصف مليون شخص، وتؤيد مشاريع الإسكان غير الشرعية في الضفة الغربية، وتهاجم مدينة غزة بطائرات إف 16 فتقتل الرجال والنساء والأطفال. ومن المحزن أن هذه «أمور طبيعية» بالنسبة للفلسطينيين.

الآن، وأخيرا يأتي كلام كارتر المشجع، مؤكدا ما يجب أن يستنتجه أي مفكر مستقل وغير فاسد: لا يمكن لأي «خطة سلام» أو «خارطة طريق» أو «مجمل الاتفاقات السابقة» ان تكون قادرة على النجاح إلا إذا جلسنا حول طاولة المفاوضات من دون أي شروط مسبقة.

استمر تصعيد إسرائيل للعنف منذ مؤتمر انابوليس «المفبرك» للسلام، في نوفمبر الماضي، واستمرت إسرائيل في عقابها الجماعي الدموي غير الشرعي وهي بذلك تخرق كل الاتفاقات الدولية. قتلت الهجمات الإسرائيلية العسكرية المئات من الفلسطينيين منذ ذلك الوقت، مع دعم البيت الأبيض الثابت لها، ففي عام 2007 وحده كانت نسبة القتل بين الفلسطينيين إلى الإسرائيليين تساوي 40 إلى 1 بينما كانت النسبة ما بين 2000 و2005 تساوي 4 إلى 1.

قبل ثلاثة أشهر فقط دفنت ابني حسام، الذي درس ليصبح محاسبا. حسام قتلته غارة جوية إسرائيلية. عام 2003 دفنت ابني البكر خالد إثر غارة بطائرة F-16 إسرائيلية كانت تستهدفني مما أدى إلى إصابة ابنتي وزوجتي والتدمير الكامل للمبنى الذي كنا نسكنه وقتل كثير من جيراننا، والعام الماضي قتل صهري.

كان عمر حسام 21 عاما. عندما كنت في سنه كنت أريد ان اصبح جراحا. في عقد الستينات من القرن الماضي كنا لاجئين، ولكن لم يكن هناك حصار مذل. ولكن الآن، بعد عقود من السجن والقتل والتشرد والفقر، نسأل: أي سلام يمكن ان يكون إذا لم تكن هناك أصلا كرامة؟ ومن أين تأتي الكرامة إذا لم تكن نابعة من العدل؟

لا يمكن تحقيق ولو خطوة محدودة في «عملية سلام» مع الفلسطينيين قبل انسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967 وتفكيك كل المستوطنات وإخراج جنودها من غزة والضفة الغربية والتخلي عن استيلائها على أراضي القدس وإطلاق سراح كل السجناء وإنهاء حصارها لحدودنا الدولية وساحلنا ومجالنا الجوي على نحو دائم. ستكون هذه بمثابة نقطة بداية للمفاوضات وستضع أساسا لعودة ملايين اللاجئين.

اشعر بفخر دائم تجاه ابنيّ وافتقدهما يوميا. انظر اليهما مثلي مثل أي أب في أي مكان، حتى في إسرائيل، أنظر اليهما مثل أي أولاد أبرياء وطلاب يتطلعون إلى المعرفة وكشباب لهم إمكانيات لا حدود لها – لا كـ«مسلحين». كانوا يدافعون عن شعبهم وكانوا نشطين في النضال الفلسطيني من أجل البقاء بدلا من الوقوف موقف المتفرج على إخضاعنا.

التاريخ يعلمنا ان كل شيء في حالة حركة. قتالنا لمواجهة جرائم عام 1948 لم يكد يبدأ، الشدائد علمتنا الصبر. اما بالنسبة لدولة اسرائيل وثقافة الحرب الدائمة التي تتبناها، فإنها عرضة لاعتبارات الزمن والإنهاك والعوامل السكانية: في نهاية الأمر القضية تتعلق المسألة باستمرار بأطفالنا وبالذين سيأتون بعدنا.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»