الجامعة وأمينها

TT

كانت تونس البورقيبية ترى في الجامعة العربية مؤسسة شكلية لا جدوى منها. وكانت تعتقد أنها مؤسسة خاضعة بكل شيء لقرار مصر، بلد المقر والأمين العام. ولكي لا تتهم بالوقوف ضد الإجماع العربي، كانت تكتفي بحضور جلسات الجامعة من دون المشاركة حتى في كلمة أو خطاب وأحيانا حتى التصويت.

ثم حدث ما لم تكن تتوقعه تونس أو مصر أو أحد. فعندما قرر العرب عزل مصر ومقاطعة المصريين في قمة «الصمود والتصدي» في بغداد، ارتأوا، في أول قرار شبه موضوعي، نقل الجامعة إلى تونس. وأصبحت تونس أول المتحمسين للجامعة ودورها وجدواها. وبالإضافة إلى المقر أصبح الأمين العام تونسيا هو أيضا، ومن أبرز المثقفين العرب في بلد يملك إحدى اكبر النخب في العالم العربي.

وعندما عادت الجامعة إلى مصر وعاد الشاذلي القليبي إلى منزله، كانت جدواها قد تأكدت. وكان القليبي بدماثته ومعرفته وثقافته وديبلوماسيته قد انسانا تجربة محمود رياض، مثلا، الضابط الذي تصرف في مصر كباشا وفي العالم العربي كعسكري لا يعرف سوى لغة الأوامر.

قبل فترة كتب الأستاذ غسان الإمام أن عمرو موسى مصري في مصر، ولبناني في لبنان، وسوري في دمشق. وربما كان هذا أفضل ما حدث للأمانة العامة. فقد ظلت مصر بلد المقر لكن الأمين العام لم يعد موظفا مصريا، والرئاسة المصرية أصبحت تفصل تماما بين أن يكون صاحب المنصب مندوبا لها وبين أن يكون مكلفا بمراعاة الظروف والاحتمالات والإمكانات، وبالتالي محافظا على بقائية الجامعة وسط عالم عربي متلاطم ومتقاتل ولا يعالج شؤونه إلا بالصراخ والتهم والتخوين.

في خضم هذا المشهد المزري والشديد الخطورة والخوف على المصير العام من التفكك، يحافظ عمرو موسى على حياة الأمانة العامة. يحضر بدل أن يغيب ولو أخفق ولم يفعل شيئا. وينقل الرسائل بين المتقاتلين ملطفة ومشذبة بدل أن ينقل الأوامر مثل محمود رياض، أحد الرموز الذي أدى سلوكه المتعالي إلى سقوط الوحدة مع سورية.

عندما غنت فيروز «سائلني يا شام» في دمشق عام 1961 كان الراحل عاصي الرحباني خلف الستار يراقب، كعادته، ردود فعل الحضور. ولما رأى الناس تهتف وتفرح وتهلل تطلع إلى شقيقه منصور وقال: «الوحدة مش مطولة».. وبعد شهر حدث الانفصال.