أرض المعجزات

TT

العراق من بلدان الشرق الأوسط التي عرفت بمعجزاته التي ورد الكثير منها في الكتب السماوية. يكفينا أن نشير منها إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وكيف نجا من النار الموقدة حيث أصبحت بردا وسلاما عليه كما أمرها الله تعالى. وبالطبع توالت حكايات كثيرة رددها العامة، باعتبارها كرامات. انقطع حبل ذلك في السنين الأخيرة، رغم أن بعضهم اعتقد جهلا بأنهم رأوا صورة عبد الكريم قاسم على القمر. والظاهر أن الزعيم الأوحد هو أيضا صدق ذلك وخرج إلى الشرفة ليرى صورته هناك، كما روى لي مترجمه زميلنا عبد المنعم الخطيب. سمعنا حكايات مشابهة عن صدام حسين بعد إعدامه ضمن موجة الجهالة التي أخذت تخيم على العراقيين. بيد أن من الضروري أن نعترف بأنه طالما كان حيا، فلم يجرؤ أحد من حزب البعث أن يسند إليه أي معجزات مشابهة.

ومع ذلك فأعتقد أن العهد الجديد الذي يؤمن بالمعجزات وكل ما يناقض العلم والعقل، قد جاد على تاريخ العراق الحديث بمعجزة جديدة. كشف المسؤولون أن هناك فائضا في الخزينة العراقية يزيد على الخمسين مليار دولار نقلت من ميزانية العام الأسبق إلى ميزانية السنة المالية الجديدة. سمعت بذلك فاستولى علي العجب العجاب. معظم الدول العربية المستقرة والعاملة تعاني من العجز المالي، وهذا العراق المضطرب والغارق في الاقتتال والإرهاب والدمار والسلب والنهب لديه مليارات ما زالت في الخزين. قولوا معي، أليست هذه معجزة تضاف إلى سجل معجزات العراق؟

أين ذهب كل هؤلاء اللصوص والحرامية والمختلسين؟ كيف تركوا هذه المليارات في الصندوق ولم يمدوا أيديهم إليها؟ كيف غفل إبليس لعنه الله عنها ولم يرشد تلامذته الأشرار إليها؟

بلد المعجزات. فهذه واحدة فقط من المعجزات الكثيرة التي أخذت تتوالى من هذا البلد. حاولت قبل بضعة أشهر تحويل مبلغ زهيد لا يتجاوز بضع مئات من الدولارات مساعدة مني لبعض أصحابي المشردين في الأردن. دخلت في مناقشة طويلة مع البنك لتبرير هذا التحويل وتفسير مصدره ومآله وبيان سر المستلم وحسبه ونسبه. كيف استطاع كل هؤلاء المختلسين والمرتشين والحرامية تحويل كل هذه الملايين والمليارات التي سرقوها إلى البنوك الأوربية وإيداعها في البنوك وشراء قصور وعقارات بها وتأسيس شركات ومشاريع بكل هذه السهولة ومن دون أي سؤال وجواب؟ أفلا يجوز لي أن أضم ذلك إلى سجل المعجزات العراقية؟