لماذا يدفن الأزواج أعصابهم؟

TT

ربما كان الفارق بين الزوج والعاشق الولهان هو أن الزوج هو البقية الباقية من العاشق بعد أن اقتلعت أعصابه. أما العاشق فهو الزوج الذي ما تزال فيه حلاوة الروح؟

وإلا فما معنى أن تجيء سيدة وتشكو من زوجها وتقول لي: إنه لم يعد يمسك يدي.. إنه لم يعد ينظر في وجهي.. إنه لم يعد يسمعني.. إنه لم يعد.. ولم يعد.. إلخ.

وأنشغل أنا عن الكلام بالنظر إلى وجهها: دموعها لا تدل على أنها حزينة.. وإنما فقط على أنها مندمجة في دور السيدة الحزينة. والأحمر والأبيض في وجهها يدل على أنها جلست أمام المرآة ساعتين على الأقل وهي تضع الانسجام اللوني بين ملامحها وملابسها وحذائها وعقدها وحقيبتها، وأنها تستفيد كثيراً من المجلات الفرنسية التي احتفظت بواحدة منها عندما جاءت لزيارتي، فهذه السيدة بصورتها هذه هي مظاهرة تأييد لنفسها، مظاهرة تؤكد أن لديها أدباً وثقافة.. وأنها قادرة على لفت نظر أي رجل آخر غير زوجها، وقادرة على أن تؤكد أنه فعلاً صاحب ذوق ولكنة بليد الإحساس.

وسألتها متى تزوجته؟ فقالت ببعض شفتيها من عشرين سنة. وكأن هذه العشرين سنة شيء قليل، فهي ليست إلا المرحلة العشرينية الأولى من زواجها السعيد!

وعلى سبيل إقناعي بأن زوجها لا يعرف قيمتها روت لي حوادث شخصية جداً في حياتهما، وكيف أنها استطاعت أن ترتفع بمستواه من الأرض إلى السماء، وكيف استطاعت أن تجعله بني آدم، وكيف أنها احترمته في حين كان كل الناس ينظرون إليه باحتقار، ثم بعد هذه العشرة الطويلة، وبعد هذه الآمال التي قامت بها من أجله، وبعد تضحيتها بشبابها وبأهلها ومستقبلها وبعد.. وقاطعتها: وبعد هذه الفضيحة؟ وحاولت السيدة مرة أخرى أن تؤكد لي أن هذا حديث خاص بي وأنها لم ترو هذا لأحد.. ولم أصدقها فلا يوجد حديث خاص عند المرأة وليست هناك خصوصيات فكل سر عند المرأة موجود عند صديقاتها، وكل ما تخفيه المرأة عن الرجل تكشفه لألف امرأة أخرى.. وعذرت زوجها وتمنيت ألا تكون لها مرحلة عشرينية أخرى..

وعرفت من بعض الأصدقاء أن هذه السيدة ترددت عليهم أيضاً وأنهم استمعوا إلى نفس القصة، وعرفت أن الزوج رجل مهذب ومثقف وأنه نموذجي، وأنه بطل قصة حب عنيفة، وأنه يستحق الرثاء. أما أنا فأعتقد أنه يستحق الإعجاب فقد قرر أن يدفن أعصابه ليعيش مع أولاده الخمسة.