رسالة عربية لبوش: لا تأت إلى المنطقة إن لم تأت بجديد!

TT

اليوم، الخميس، من المفترض أن يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبومازن ) جورج بوش في البيت الأبيض في واشنطن، والمفترض أن يدور الحديث بين الإثنين حول قيام الدولة الفلسطينية المنشودة التي كان قد وعد الرئيس الأميركي باقامتها قبل نهاية هذا العام وقبل أن يغادر موقعه الرئاسي، والتي إن هي لن تقوم خلال هذه الفترة القليلة المتبقية، والواضح أنها لن تقوم، فإنها ستصبح مجـرد وعدٍ بدون تحقيق حتى انتهاء نصف ولاية الإدارة الجديدة على الأقل.

كان المتوقع أن يكون هذا اللقاء بين بوش ومحمود عباس في رام الله وفي إطار الزيارة المقررة التي سيقوم الرئيس الأميركي بها في منتصف مايو ( أيار ) المقبل إلى إسرائيل بمناسبة الذكرى الستين لقيامها، لكن يبدو أن الإسرائيليين رفضوا مشاركة الفلسطينيين لهم في هذه الزيارة التي من المتوقع أن يسمعوا خلالها كلاماً لم يقله لهم أي رئيس أميركي سابق فتقرر لقاء اليوم كحلٍّ لإشكال لو أنه حدث لأدى حتماً إلى سلبيات كثيرة.

وقبل الاتفاق على لقاء اليوم الذي جاء كترضية للفلسطينيين والعـرب عشية الزيارة «التاريخية»! التي سيقوم بها الرئيس الأميركي إلى إسرائيل في الذكرى الستين لقيامها، كان هناك اقتراح أن يتم هذا اللقاء في الأردن، إن في العاصمة عمان أو في العقبة على البحر الأحمر، لكن يبدو أن الأردنيين لم يتحمسوا له نظراً لإحساسهم بأن الأميركيين يحاولون الالتفاف على استحقاق الدولة الفلسطينية المستقلة واستبداله بـ«اتفاق إطار» يتحدث عن الخطوط العامة لهذه الدولة وترك أمور التنفيذ والتطبيق للإدارة الأميركية الجديدة سواءً جاءت جمهورية أم ديمقراطية.

إن ما يريده الأميركيون، وهذا شعر به الفلسطينيون وشعر به العرب المعنيون بهذا الأمر، مصر والمملكة العربية السعودية والأردن، هو استبدال استحقاق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة والاستمرار جنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية قبل نهاية هذا العام، كما وعد الرئيس جورج بوش أكثر من مرة، بالحديث عن «أسس» هذه الدولة وشكلها كالبرلمان والقضاء والمؤسسات الرسمية والمدنية.

وهنا فإن الفلسطينيين يقولون، ومعهم مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، إنه لا حاجة لأي اتفاق إطار جديد فهناك اتفاقيات أوسلو التي نصت على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية قبل نهاية عام 1997 وهناك خريطة الطريق وهناك قرارات مؤتمر أنابوليس الأخير، وإن المطلوب، بينما باقي ما تبقى من وقت للرئيس الأميركي في البيت الأبيض بات يتناقص بسرعة، هو الضغط على الإسرائيليين لإيقاف مماطلاتهم وحملهم على التوصل مع منظمة التحرير والسلطة الوطنية إلى الاتفاق على قضايا الحل الدائم وعلى جدولٍ زمني لتنفيذ هذا الاتفاق بضمانة أميركية. والفلسطينيون يقولون أيضاً، ومعهم المملكة العربية السعودية والأردن، إن الحديث عن أسس الدولة المستقلة، القضاء وغيره، قبل تحديد رؤية الطرفين، الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي، بالنسبة لقضايا الحل الدائم يعتبر مضيعة للوقت وتهرباً من استحقاق هذه الدولة التي إن هي لم توضع على بداية طريق إنشائها في عهد هذه الإدارة الأميركية فإنها قد لا تقوم إطلاقاً وبخاصة أن المنطقة كلها تعيش ظروفاً صعبة وتواجه تحديات كثيرة وتنتظر تغيرات سياسية وجغرافية على صعيد أكثر من دولة من دولها.

إنه غير متوقع أن يتمخض اجتماع اليوم عن أية نتائج في صلب موضوع الدولة المستقلة، فالرئيس الأميركي المحاصر بعامل الوقت حتى نهاية العام الحالي وبعدم جدية الإسرائيليين سيحاول استدراج ضيفه إلى مطب ضرورة الاتفاق على أسس الدولة المنشودة قبل قيامها أو قبل البدء بإنشائها، ومحمود عباس ( أبو مازن ) الذي ذهب إلى واشنطن وهو يشعر أنه ذاهب إلى مأتمٍ سياسي سيصر على أنه من الأفضل أن تبقى الأمور على ما هي عليه الآن إذا لم تكن هناك إمكانية للاتفاق مع الطرف الإسرائيلي على قضايا الحل الدائم كلها أو بعضها.

لقد عقد الفلسطينيون والإسرائيليون عشرات اللقاءات والاجتماعات السرية والعلنية خلال شهور نهايات العام الماضي والشهور التي مرت من هذا العام 2008 ولكن بدون أية نتائج تذكر والسبب هو أن هناك انتخابات حاسمة ستجرى في السنة المقبلة والمعروف أن موسم الانتخابات بالنسبة للأحزاب والقوى والزعامات الإسرائيلية هو موسم مزايدات وموسم هروبٍ وتهربٍ من حسم أية قضية أساسية من قضايا عملية السلام المختلف عليها والتي بسببها أُغتيل إسحق رابين بتهمة الخيانة العظمى لإبرامه اتفاقيات أوسلو التي اعتبرها عتاة التطرف اليميني في إسرائيل تفريطاً بالوعد الإلهي المزعوم وبالحق التوراتي في فلسطين.

هناك الآن في إسرائيل أربعة أطرافٍ تتصارع على السلطة مع اقتراب موعد الانتخابات الجديدة التي من المقرر إجراؤها في العام المقبل..الطرف الأول هو رئيس الوزراء أيهود أولميرت والطرف الثاني هو أيهود باراك والطرف الثالث هو وزيرة الخارجية تسيـبي ليفني أما الطرف الرابع الذي يتحدى هؤلاء كلهم فهو بنيامين نتنياهو الذي وفَّر له انقلاب «حماس» في غزة تحول الإسرائيليين نحو المزيد من التطرف والمزيد من اليمينية. إن هذا هو واقع الحال الآن فهناك إدارة أميركية باتت تحزم حقائبها للرحيل ومغادرة البيت الأبيض وهي تحاول اللعب بباقي ما تبقى لها من الوقت وهناك حكومة إسرائيلية متصدعة وضعيفة وغير قادرة على اتخاذ أية خطوة فعلية ثم هناك الوضع الفلسطيني البائس حيث دولة غزة ترتبط بحلف أهدافه ليست لا أهداف الفلسطينيين ولا العرب، وحيث دولة رام الله تجد نفسها كمن يسبح ضد التيار في ظل مماطلات الإسرائيليين وتهربهم، وذلك رغم المعلومات التي تقول إن أولميرت وعد أبومازن بأنه سيقدم له في شهر أغسطس ( آب ) المقبل تصوراً شاملاً حول قضايا الحل النهائي مرفقاً بخرائط تفصيلية وبجداول زمنية. لهذا ولأن هذا هو واقع الحال فقد تم الاتفاق بين مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وبعد مشاورات ولقاءات كثيرة على ضرورة أن يقوم العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين بزيارة عاجلة إلى الولايات المتحدة عنوانها أنه من الأفضل ألاَّ يأتي الرئيس الأميركي إلى هذه المنطقة وألا تنعقد قمة شرم الشيخ التي تقرر عقدها في السابع عشر والثامن عشر من الشهر المقبل، بحضور بوش وبمشاركة مصر والأردن والسعودية والفلسطينيين وربما إسرائيل، إذا كان لن يأتي معه بأي شيء جديٍّ بالنسبة لاستحقاق الدولة الفلسطينية المستقلة.

إن هذه الدول الثلاث تقول، وهذا سيقوله الملك عبد الله الثاني لبوش ولبعض مراكز النفوذ في إدارته وفي الكونغرس إنه إذا كان الرئيس الأميركي سيأتي في مايو ( أيار ) المقبل إلى هذه المنطقة من أجل الاحتفال بالذكرى الستين لقيام الدولة الإسرائيلية فقط وبدون أن يأتي بأي جديد بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، فإن هذا سيضع أسلحة كثيرة في يد الحلف الإيراني المعروف وأنه سيعزز قوة ونفوذ التطرف في الإقليم كله ولذلك فإنه من الأفضل ألا يأتي.