«إعلان صنعاء».. إلى أين؟

TT

المبادرة اليمنية التي أطلقت من وحي العلاقات النضالية اليمنية الفلسطينية، كانت الأكثر وضوحاً من بين المبادرات والتحركات التي جرت لرأب الصدع داخل الساحة الفلسطينية، وكانت تحركاً يمنياً صادقاً ومخلصاً ونزيهاً من اجل إعادة اللحمة للحركة الوطنية الفلسطينية.

لقد انطلقت المبادرة على مرحلتين اثر الانقلاب الدموي الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزة منتصف العام الماضي، المرحلة الأولى بداية شهر آب العام الماضي، والمرحلة الثانية في شهر شباط الماضي، اثر زيارة الرئيس محمود عباس الى صنعاء، سبق اطلاقها مشاورات يمنية على أعلى مستوى مع قيادة طرفي الأزمة. ورحب الرئيس عباس بالمبادرة ودعا إلى تنفيذ بنودها السبعة كما هي، ولا شك ان الرئيس عباس يدرك تماماً ان التنفيذ يحتاج إلى حوار لتحديد آليات التنفيذ، غير ان حركة حماس أصدرت عبر قادتها سلسلة من التصريحات المتضاربة والغامضة حول المبادرة، تارة تقبل بها، وتارة تقول إنها ستعمل على تعديلها، وتارة تقول ان الرئيس أضاف الفقرة الأولى للمبادرة في صيغتها الأولى.

في ظل هذا التضارب توجه وفدان من حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية الى صنعاء بدعوة من القيادة اليمنية. وفور وصول الوفدين أطلقت حماس العقبة الأولى أمام الجهد اليمني بإعلان وفدها ان المشكلة مع حركة فتح وليس مع منظمة التحرير، وبالتالي فإنه لن يجري أي حوار مباشر وغير مباشر مع وفد المنظمة الذي بادر رئيسه الأخ صالح رأفت عضو اللجنة التنفيذية، الأمين العام لحزب فدا، والأخ قيس عبد الكريم عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، بممارسة الضغط على كاتب هذه السطور للقبول بالحوار ممثلا عن حركة فتح، منطلقين من قناعتهما بأن حماس تريد التنصل من أي التزام بالمبادرة اليمنية، وأعقب ذلك إعلان حماس في غزة عن نيتها لإجراء تعديل ما يسمى بالحكومة المقالة برئاسة إسماعيل هنية، وكأنها تريد ان ترسل رسالة عاجلة للقيادة اليمنية مضمونها أنها لا تريد التفاهم وإنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية.

دار الحوار بين الوفدين عبر الإخوة في القيادة اليمنية بإشراف مباشر من الرئيس علي عبد الله صالح الذي أمضى مع الوفدين إحدى عشرة ساعة على مدار يومين، وفيها جرت المباحثات حيث تم يوم الخميس بتاريخ 19/3 الاتفاق أربع مرات، إذ كان الأخ موسى أبو مرزوق يعود متراجعاً عنها بعد لقائه أعضاء وفد حماس، بينما كان وفد منظمة التحرير بكامل أعضائه قد وافق تباعاً على الأربعة اتفاقات الواحد تلو الآخر.

كان من الواضح ان وفد حماس لا يريد التوصل إلى أي اتفاق، لأنه لم يوافق على المبادرة اليمنية أصلا. وهذا هو حقيقة الموقف لحماس، وهذا ما أكدته الوقائع المتلاحقة على مدار الأيام الأربعة في صنعاء، إلى ان تم الاتفاق يوم الأحد بتاريخ 23/3 على صيغة «إعلان صنعاء» والذي نص على «نوافق نحن ممثلي حركة فتح وحركة حماس على المبادرة اليمنية كإطار لاستئناف الحوار بين الحركتين للعودة بالأوضاع الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل أحداث غزة تأكيداً لوحدة الوطن الفلسطيني أرضا وشعباً وسلطة واحدة».

ولم يتم تحديد تاريخ بدء الحوار (كما كان محدداً في صيغة سابقة بتاريخ 5/4/2008) عندما شعر الرئيس صالح ان التباين ما زال قائماً بين الطرفين، إذ ان حماس ترى ان الحوار سيكون «حول المبادرة» ووفد المنظمة يراه انه من أجل تنفيذ بنود المبادرة كما هي، كما عبر عن ذلك الوفدان بكلمتيهما في حفل التوقيع أمام الكاميرات.

لا شك ان عدم إعلان فشل مشاورات صنعاء والتوقيع الذي تم على «إعلان صنعاء» كسرا الجمود القائم، وأعطيا أملا بإمكانية عودة الوحدة للساحة الفلسطينية. غير ان تصريحات غير مسؤولة صدرت عن البعض بشأن ما تم في صنعاء ولم يكونوا مخولين بما أدلوا به أعطت فرصة لحماس للتراجع والتخلص من أي التزام بـ«المبادرة اليمنية» وتحميل المسؤولية للرئيس أبو مازن ولحركة فتح، وهذا ما تم بالفعل من سلسلة التصريحات التي صدرت عن الناطقين بلسان حماس التي اتهمت فيها الرئيس أبو مازن بسحب توقيع حركة فتح عن الاتفاق قبل أن يجف حبره، وخلقت حالة من التخبط والإحباط في صفوف حركة فتح والساحة الفلسطينية. نتيجة ذلك صدر بيان عن اللجنة المركزية لحركة فتح بتبني ما صدر في صنعاء، كما صدرت تصريحات لعدد من كوادر وقيادات الحركة في نفس اتجاه بيان مركزية فتح، كان من أبرزها خطاب الدكتور زكريا الآغا رئيس هيئة العمل الوطني مسؤول قيادة حركة فتح في غزة في حفل أربعينية الدكتور جورج حبش أكد فيه على تمسك الحركة بإعلان صنعاء، ودعا حركة حماس إلى الالتزام بما تم وعدم التراجع عنه.

لقد انتهت العاصفة الإعلامية المربكة التي أعقبت إعلان صنعاء بعد اجتماع الرئيس أبو مازن مع وفد المنظمة إلى صنعاء بصدور بيان صحافي تلاه الأخ نبيل عمرو باعتباره المستشار الإعلامي للرئيس، أكد فيه على تفويض الوفد وتبني ما تم بالكامل، مسدلا ستارا على العاصفة الإعلامية التي سببتها بعض التصريحات غير المسؤولة وغير المخولة من أحد.

وأكد الرئيس أبو مازن في قمة دمشق التزامه وتمسكه بالمبادرة اليمنية، كما هي للتنفيذ الفوري وحدد أمام الرؤساء فهمنا «لإعلان صنعاء وآليات التنفيذ خاصة للبند الأول من المبادرة».

وفي ضوء ترحيب القمة العربية وتبنيها لـ«المبادرة اليمنية» فإنني أتمنى على القيادة اليمنية ألا تلتفت لبعض الأصوات التي صدرت من هنا ومن هناك وتستمر بتحركها واستئناف الجهود لتنفيذها نصا وروحا. ولا بد من التأكيد مجددا على معنى مفهوم عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 13/6 كما طرحنا ذلك في صنعاء. ولا شك ان هذا يشكل البداية الصحيحة لانطلاق حوار وطني شامل يعيد الوحدة للحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا يعني بكل وضوح إعلانا رسمياً من حماس بإنهاء عصيانها المسلح في غزة، وتسليم القطاع بكل مكوناتها للرئيس أبو مازن باعتباره رأس الشرعية الفلسطينية الموحدة، والكف عن الحديث عن حكومتين واحدة في رام الله والأخرى في غزة والتزامها بالحكومة الشرعية وهي التي يختارها الرئيس أبو مازن «وحاليا هي حكومة سلام فياض».

بعد ذلك يبدأ الحوار الوطني الشامل على أساس وثيقة الوفاق الوطني وإعلان القاهرة 2005 واتفاق مكة وكافة القضايا محل الاهتمام والخلاف، ومن الممكن في المرحلة الانتقالية تشكيل حكومة توافق الى أن يتم انجاز الحوار الوطني واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة يتم بعدها تشكيل حكومة وحدة وطنية في ضوء نتائجها.

وإن استمرار الحديث بطريقة مشوهة عن مفهوم إعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل 15/6/2007 هو محاولة للتهرب من استحقاقات حالة الانقسام.

السؤال الكبير يبقى: هل فعلا حماس تريد إنهاء حالة الانقسام؟ وهل بالإمكان التوصل الى تسوية سياسية قبل نهاية عام 2008 في ظل حالة الانقسام؟ وهل يستطيع طرف أن يكون بديلا عن الطرف الآخر؟ إنني من المؤمنين بأنه في ظل حالة الانقسام القائمة لن تكون هناك تسوية سياسية مع إسرائيل، ولن يكون هناك حل لكل مشاكل شعبنا في ظل الاحتلال وحالة الانقسام. وتخطئ حركة حماس اذا اعتقدت انه من الممكن ان تشكل بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية، مقنعة نفسها بذلك من خلال بعض الدعوات والتصريحات واللقاءات بين الحين والآخر، والتي كان آخرها إعلان نائب أولمرت رئيس حزب شاس عن استعداده للقاء قادة حماس أو لقاء الرئيس كارتر، أو بعض التسريبات والمقالات التي تتحدث عن اشراك حماس في عملية التسوية، وإعطاء ذلك بعدا وحجما بعيدين عن الحقيقة.

لا مفر من إنهاء حالة الانقسام اذا اردنا أن نحافظ على حقوقنا الوطنية، وتجنيد كل الجهود باتجاه تحقيقها، والمبادرة اليمنية أعطتنا أملا وكسرت جمودا علينا أن لا نضيعه.

* عضو المجلس الثوري لحركة فتح رئيس كتلة فتح البرلمانية