القس رايت يطارد أوباما

TT

ذهب القس جيرمياه رايت إلى واشنطن يوم الاثنين الماضي، لا ليسبِّح بمجد باراك أوباما، بل ليواريه الثرى!

بدا القس مبتسما، وهو يلقي بطُرائف تقليدية أعدّها جيدا استعدادا لهذا الحشد الإعلامي الكبير، مما أوحى بأن هذا القس لن يتراجع، فقد وجد نفسه محل حديث الجميع، وهو يحب هذا. ويسعى القس، بعد أن أحس أن أوباما قد تخلى عنه، إلى الانتقام، وهو يحظى الآن بتغطية إعلامية بصورة لم يكن يتخيلها من قبل. ويمكن القول بأنه يعيش حلما لشخص نرجسي. ولذا نجده في نادي المراسلين القومي يتحدث عن كل شيء بدءا من معاناة العبيد السود إلى الأحكام المختلفة في قضايا حيازة الكوكايين.

بدا القس معجبا بنفسه، وكأنه أول من يعرف أن السود قد عانوا كثيرا في أميركا وأن التأثيرات السيئة للعبودية وحقبة التفرقة العنصرية المظلمة مازالت لها آثارها على الحياة في الوقت الحالي. والسؤال الآن هو: لماذا يبدو القس رايت ـ إن كان حقا يريد تحرير السود وتمكينهم ـ وكأنه عازم على تقويض حملة المرشح الإفريقي ـ الأميركي الوحيد الذي استطاع شق طريقه في الترشح للرئاسة.

ظهر رايت في ليلة الأحد أمام «الجمعية القومية لتقدم المواطنين الملونين» في مدينة ديترويت، ليسخر من اللهجات القومية لجون كنيدي وليندون جونسون. وأنا لا أدري كيف كان يظن أن هذا يفيد مطالبته بنقاش بنّاء حول قضايا العرق والمصالحة في أميركا. والشيء الذي يجب أن نتذكره لرايت هو أنه صديق ذكي لديه الكثير من المعرفة، سواء على الصعيد السياسي أو في أي مجال آخر، وقد اكتسب هذه الخبرة على مدى عدة عقود. فقد تمكن بنجاح من بناء مجمع ارتبط بالسياسة في الجزء الجنوبي من شيكاغو، ومن خلاله مارس عملا جيدا على مدى عدة سنوات. وقد لجأ إليه الكثير من الشخصيات البارزة طلبا للنصح.

إذاً.. فالأمر لا علاقة له بشخص ساذج سياسيا، بل برجل يعرف جيدا ما يقوم به. ولننس الكلام الذي لا معنى له حول الرد على النقد الذي تم توجيهه إلى كنيسة السود. لم يكن لظهور القس في نادي الصحافة علاقة بهذا، فقد كان يريد الرّد على ما يراه أنه هجوم عليه. والأمر كله مرتبط بسعي أوباما للترشح إلى منصب الرئيس ولا شيء سوى هذا. فقد ذهب أوباما إلى كنيسة رايت كشاب مملوء بالرغبة التي تتناسب مع طبيعة العمل السياسي رفيع المستوى. وبسرعة أكثر مما يتخيل أي شخص، أصبح أوباما عضوا في مجلس الشيوخ ومن ثمّ مرشحا بارزا للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. وبعد ذلك ظهرت الخطب الذي تم تسجيلها وبدأت سمعة رايت تتعرض للهجوم، ولم يجد أوباما بُدّا من النأي بنفسه عن هذا القس بألطف الطرق الممكنة. وفي تقديري أن رايت شعر بالإهانة من ذلك، فقد استفاد أوباما كثيرا من علاقته بكنيسة رايت وكان عليه أن يدافع عن قسه السابق. ما نشاهده الآن هو محاولة للكيد لأوباما. أضف إلى هذا، فإن اليأس الذي يتسم به نهج أوباما تجاه تصرفات رايت يعزز من القناعة المتنامية حول كونه مرشحا ضعيفا، فهو يظهر كشخص عاجز أو غير قادر على الدفاع عن نفسه. وفي الوقت نفسه نجد هيلاري كلينتون تسخر من أوباما بسبب رفضه المشاركة معها في مناظرة ثانية، ويجوب رايت البلاد وبصحبته الصحف ليروج عن شيء وحيد حاول أوباما أن يتجنبه وهو: العرق.

ولذا، يظهر أوباما كشخص يتلقى الصفعة تلو الأخرى، ولا تتاح له الفرصة كي يحتوي الموقف. والأكثر من هذا أن بعض المندوبين أعربوا سرا عن قلقهم من أن يكون أوباما عاجزا عن التصرف بشكل أفضل بين الناخبين البيض من الطبقة العاملة ومعهم الكاثوليك. ورايت بلا ريب هو الدواء الخطأ لهذا القلق الذي يعتري هؤلاء المندوبين.

* خدمة «نيويورك تايمز»