الأردن: هل فعلا فوز صقور «الإخوان» انتصار لـ«حماس»!

TT

الانتصار الكاسح، الذي حققه «صقور» الإخوان المسلمين في الأردن على حمائمهم في الانتخابات التنظيمية الداخلية التي جرت يوم الخميس الماضي، وضع هذه «الجماعة» التاريخية التي تأسست في عام 1946 على مفترق حقيقي حيث هي المرة الأولى التي يخرج فيها موقع «المراقب العام» من أيدي القيادات الوسطية المعتدلة التي بقيت تحافظ على ما يسمى شعرة معاوية مع نظام المملكة الأردنية الهاشمية حتى بعد السلام مع إسرائيل وتوقيع معاهدة وادي عربة المعروفة في عام 1994.

كان الإخوان المسلمون قد تعرضوا لهزة تنظيمية في بدايات خمسينات القرن الماضي، بينما كان تنظيمهم لا يزال في بداية إنشائه، عندما انشق عنهم الشيخ تقي الدين النبهاني وشكل حزب التحرير الإسلامي الذي يعتبر أكثر تطرفاً وراديكالية قياساً بالجماعة الأم ولعل ما تجب الإشارة إليه هنا هو أنه قيل ولا يزال ان هناك من يقول إن السبب الحقيقي لذلك الانشقاق المبكر هو أن النبهاني كان انحاز الى الحاج أمين الحسيني في صراعه المعروف مع الملك عبد الله الأول مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية بينما انحاز «الإخوان» الى الجهة المغايرة.

وهكذا فإن جماعة الإخوان المسلمين بقيت منذ ذلك الحين وحتى بدايات تسعينات القرن الماضي تحافظ على خطها التقليدي المعتدل المتحالف مع النظام الأردني، وبخاصة في مراحل وعقود العواصف القومية، وبقي موقع «المراقب العام» الذي انتزعه، في انتخابات يوم الخميس الماضي التنظيمية الداخلية، الدكتور همام سعيد الذي يعتبر أكثر رموز تيار الصقور نزقاً وتطرفاً في قبضتي اثنين من أهم رموز الآباء المؤسسين الأَول هو عبد اللطيف أبوقورة والثاني هو عبد الرحمن خليفة الذي اختار التنحي طواعية بعد ان تقدم به العمر وترك المسؤولية ليتحملها المحامي عبد المجيد الذنيبات الذي يقول عنه رفاقه في «الجماعة» إنه مثله مثل خلفه سالم الفلاحات يفتقر الى «كاريزما» الرعيل الأول وقدرتهم على ضبط التنظيم وإبعاده عن الشطط والمراهقة السياسية.

لقد جاء اختيار الدكتور همام سعيد لمنصب المراقب العام، الذي يتمتع كل من يصل إليه بصلاحيات تنظيمية وسياسية لا حدود لها بالنسبة للإخوان المسلمين الذين درجت الأعراف على أن يبايعوا مراقبهم على السمع والطاعة، بعد خلافات داخلية بقيت متواصلة لأكثر من عشرة أعوام بلغت ذروتها خلال الانتخابات التشريعية الأردنية الأخيرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حيث تفجر خلاف شديد بين «الصقور» و«الحمائم» على مبدأ المشاركة في هذه الانتخابات (البرلمانية) وعلى أسماء الذين جرى ترشيحهم لخوض المعركة الانتخابية من أعضاء هذه «الجماعة».

كان نصيب هذا التنظيم التاريخي في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) البرلمانية مجرد ستة أعضاء فقط من أصل مائة وعشرة نواب هم النصاب الكامل لعدد المجلس النيابي الحالي وهذا أُعتبر هزيمة كاسحة لحزب بقي يتصدر الحياة الحزبية الأردنية منذ عام 1989 وحتى الانتخابات الأخيرة والسبب ان الإخوان المسلمين ذهبوا الى تلك المعركة الانتخابية مشتتين ومختلفين ويعمل كلٌّ تيار من تياريهم، الصقور والحمائم، ضد التيار الآخر وأن هذه المعركة الانتخابية جاءت بعد نحو خمسة شهور من الانقلاب الدموي الذي قامت به حركة حماس في غزة والذي وقف الرأي العام الأردني بصورة عامة ضده وأدانه.

والمعروف، على الأقل في الأردن، أن أحد أهم أسباب التعارضات والتناقضات التي عصفت بالإخوان المسلمين الأردنيين من الداخل هو أن حركة «حماس» بقيادة خالد مشعل ومتسلحة بالأموال الإيرانية وبوهج المقاومة الفلسطينية حاولت السيطرة على هذه «الجماعة» في الساحة الأردنية كما سيطرت على امتداداتها في غزة والضفة الغربية وهو أنها تمكنت قبل إبعاد قادتها عن الأردن ان تشكل مركز ثقل لها داخل التنظيم الإخواني الأردني من أهم رموزه بالإضافة الى الدكتور همام سعيد الذي أصبح مراقباً في انتخابات الخميس الماضي الداخلية كل من زكي أبو رشيد والدكتور محمد أبو فارس وعلي أبو السكر وآخرون اختير بعضهم أعضاء في المكتب التنفيذي لهذا التنظيم في الانتخابات المشار إليها.

وهنا ولوضع تصور ولو عامٍ لمستقبل الإخوان المسلمين في الأردن، بعد أن وضعتهم انتخاباتهم الداخلية الأخيرة على مفترق الطرق هذا الذي وضعتهم عليه، فإنه لا بد من الإشارة الى ان الدكتور همام سعيد الذي هو أول أردني من أصل فلسطيني يصل الى موقع المراقب العام يعتبر نفسه قائداً لحركة حماس الفلسطينية أكثر مما هو قائد لجماعة حزبية أردنية وأنه كان قد رفض أداء القسم الدستوري عندما اختير نائباً في البرلمان الأردني لأن هذا القسم يتضمن نصاً على الإخلاص للملك.

وبهذا فإن الانطباع السائد الآن لدى الكثير من الأوساط المهتمة والمتابعة في الأردن هو أن حركة حماس بتفوق تيار «الصقور» على تيار «الحمائم» وبوصول همام سعيد الى موقع المراقب العام وإلى قمة الهرم التنظيمي للإخوان المسلمين قد حققت اختراقاً تنظيمياً وسياسياً كبيراً في الساحة الأردنية وأنها تسعى حالياً لتحقيق الاختراق الثاني الذي ربما سيكون أكثر خطورة وأهمية وهو تحويل مجلة «السبيل» التي تنطق باسم حزب جبهة العمل الإسلامي و«الجماعة الأم» شكلياً وباسم حركة المقاومة الإسلامية من الناحية الفعلية من اسبوعية دورية الى صحيفة يومية.

إن المعروف ان حركة حماس قبل إبعاد قادتها من الأردن منذ اكثر من ثمانية أعوام كانت تعمل مباشرة لخلق حالة على الساحة الأردنية كحالة حزب الله على الساحة اللبنانية وهي واصلت السعي الى هذا الهدف ذاته بعد ذلك من خلال مراكز النفوذ التي تمكنت من إنشائها داخل تنظيم الإخوان المسلمين الأردني وحيث برز تيار «الصقور» في السنوات الأخيرة وسيطر على مفاصل هذا التنظيم القاعدية وحقق هذا الفوز الذي حققه في الانتخابات الداخلية الأخيرة. والآن وبما أن ما حصل قد حصل فإن الشهور المتبقية حتى نهاية العام الحالي ستكون شهوراً حاسمة وصعبة إن بالنسبة للعلاقة بين الدولة الأردنية كدولة وليس كحكومة فقط وبين الحركة الإسلامية وإن بالنسبة للصراع الذي ازداد احتداماً بتحقيق الفوز الذي حققه تيار «الصقور» داخل الإخوان المسلمين أنفسهم... إن كل المؤشرات والمعطيات تدل على أن هناك خيارين لا ثالث لهما هما: إما انقسام «الإخوان» على بعضهم بعضاً وتفتتهم وتفرق شملهم أو المجابهة الساخنة بين هؤلاء وبين الاردن كدولة إن هم بقوا مختطفين من قبل المتطرفين الذين سيكون ولاؤهم وستكون تبعيتهم الحقيقية لحركة حماس.

إنها شهور ستكون حاسمة جداً وستكون المواجهة الساخنة، والمقصود هنا ليس اللجوء الى السلاح والعمل العسكري، هي الخيار الذي لا خيار غيره إن لم يستطع المعتدلون في الإخوان المسلمين استعادة زمام المبادرة من أيدي المتطرفين الذين باتوا يشعرون بأن عمقهم بات يمتد من غزة حتى طهران والذين ينتظرون فشل العملية السلمية حتى تنهار السلطة الوطنية الفلسطينية وتمد حماس نفوذها الى الضفة الغربية لتكتمل الدائرة الإيرانية من حركة الحوثي في صعدة في اليمن وحتى ضاحية بيروت الجنوبية في لبنان.