محرقة النكتة

TT

كرس الباحثون جهودا كبيرة لجمع وتحليل النكات والفكاهات التي تداولها اليهود في معسكرات الاعتقال النازية، وهم ينتظرون حتفهم. يبدو في الأمر كثير من الشذوذ، في ان يتفكه الانسان ويضحك وهو ينتظر حرقه في أفران الغاز. بيد ان النكتة ظلت المخلص الوحيد لليهود في معاناتهم وعذاباتهم عبر تاريخهم الطويل، فتعودوا على ذلك. اصبحت جزءا من أسلحتهم في المقاومة السلمية وتحمل الاضطهاد. فالمعتقد الآن علميا أن الفكاهة والسخرية تساعدان الناس على التحدي وتحمل العذاب والخلاص من مشاعر الوحدة واليأس، وتشدان أواصر المجموعة. هذا في الواقع ما قاله الفيلسوف فاكنهايم بعد نجاته من محرقة اوشفيتز. قال: «لقد حافظنا على معنوياتنا بفضل الفكاهة». فبينما منع الغستابو الكباريهات في عموم اوروبا، استطاع اليهود المعتقلون ان يقيموا كباريهاتهم الخاصة في معتقلاتهم، حيث راحوا ينكتون ويمسرحون الكوميديات والمونولوجات، وكان الحرس يشاركونهم الاستماع اليها. كان المكان الوحيد لحرية الفكر في اوروبا المحتلة. وقف أحد المطربين فغنى وقال: «آه يا رب! لقد مضت خمسة آلاف سنة ونحن شعبك المختار. أما آن الاوان اليوم لتختار شعبا آخر؟».

وقف كوميدي ثان فروى كيف أن الحاخام كان يعلم ابنه على الصلاة والدعاء. قال له قل: «الحمد لهتلر والحمد لله».. سأله ابنه: وماذا اقول اذا مات هتلر؟ قال له عندئذ يمكنك ان تكتفي وتقول: «الحمد لله».

اعتلى كوميدي آخر المنصة فروى ان الغستابو كانوا على وشك إعدام اثنين من اليهود رميا بالرصاص. ولكنهم تلقوا في اللحظة الاخيرة أمرا بشنقهما بدلا من ذلك. قال احد الاثنين للآخر «ألم أقل لك؟ رصاصهم نفد».

قالوا إن هتلر استشار منجمه الخاص في تلك الايام الحالكة التي تلت هزيمة ستالينغراد، سأله:

* قل لي هل سأخسر الحرب حقا؟

ـ نعم.

* أيعني ذلك انني سأموت؟

ـ نعم.

* ومتى سأموت؟

ـ في يوم من أعياد اليهود.

* أي عيد من أعيادهم؟

ـ أي يوم تموت فيه سيكون عيدا عند اليهود.

ذكروا ان غوبلز ذهب لزيارة مدرسة فراح يسأل الاولاد، طلب من احدهم ان يقول أحسن كلمة يعتز بها. فقال التلميذ «هايل هتلر»، شكره على ذلك ثم سأل تلميذا آخر ان يقول كلمة مشابهة فأجابه التلميذ قائلا: «المانيا فوق الجميع»، شكره عليها ثم سأل تلميذا آخر ان يقول فأجابه التلميذ «شعبنا باق إلى الأبد»، شكره غوبلز على ما قال ثم سأله عن اسمه فأجابه «اسرائيل ساسون».

وفي جوعهم المستمر ونقص سائر المواد الغذائية دأبوا على تسمية اي شيء مشجع لهم بأسماء الأكل. اطلقوا على الطائرات السوفيتية التي كانت تمر فوق معسكراتهم اسم «الدجاجات الحمراء». واطلقوا على القنابل التي كان يلقيها الحلفاء على الحرس الالمان «كعكات العيد». وقال أحدهم: «كنا قبل النازية نأكل البط ونمشي كالحصان. واليوم اصبحنا نأكل لحم الحصان ونمشي كالبط».