«ما حدا بدُو الحرب»

TT

ـ «ما حدا بدُو الحرب»

عبارة ظل اللبنانيون يلوكونها في يقين، ويقذفونها على مسامع محاوريهم في كل مرة يأتي فيها النقاش عن احتمالية نشوب حرب أهلية، وهم يبررون قولهم بأن ذاكرة اللبنانيين مثقلة بآلام الحرب الأهلية الماضية، التي لم تترك بيتا دون أن تحدث فيه جرحا، ولذا ظلوا ينظرون إلى أن التعايش السلمي هو خيار الجميع، وأن لا أحد سوف يجرؤ على ضغط على الزناد لبدء حرب جديدة.. ومن منطلق هذه القناعة عاش اللبنانيون سنواتهم الأخيرة يتطاولون في الأحلام، ويتوسعون في الأماني، ويأخذون نصيبهم من فرح الدنيا غناء، وشعرا وموسيقى..

كان اللبنانيون يعولون كثيرا على ذاكرة موغلة في الندم في منع تكرار الحرب الأهلية، والحفاظ على السلم الأهلي، لكن ما حدث هذه الأيام جاء بعكس قراءاتهم، وعكس قناعاتهم، وعكس نشيدهم اليومي: «ما حدا بدُو حرب»، فلقد أثبتت الأيام أن قابيل لم يزل يتربص بأخيه هابيل في لبنان..

الخميس الماضي كانت مذيعة قناة العربية ريما المكتبي، تسأل مراسل القناة في شوارع بيروت عن أعمار المسلحين، فيقول:

ـ «إن أعمار غالبيتهم لم تتجاوز العشرين».

وهذا يعني أن وقود حرب الشوارع التي تشهدها العاصمة بيروت، شباب لم تسكن ذاكرة وعيهم أشباح الحرب الأهلية الماضية وويلاتها، فهم يجهلون على أقل تقدير، حقيقة أن في الحروب الأهلية لا يوجد منتصر، فالكل يتقاسم الهزيمة..

تطوف بك عدسات الفضائيات على شوارع بيروت: الحمراء، فردان، الروشة، الرملة البيضاء، وغيرها من الشوارع، فتجدها وقد خلت من أنسها وناسها، وتتساقط حبات مطر أيار فلا تتلقفها مظلات العابرين، وقبعات الحسان، وشوارب مدخني «الأراجيل» على قارعة «الزواريب» الخلفية، فلبنان اليوم: وردة تقطف.. شمعة تطفأ.. قصيدة تمزق.. موال عذب يحرق حنجرة المغني، وكل يدعي حب لبنان، ولكن من الحب ما قتل..

وتطوف بك العدسات أيضا بالقرب من أشجار الحور، والزيتون، والسنديان، وزهور الوزال، وأودية «الدبكة» والمواويل فتجد شوارب الرجال سوداء «حدادا على الضحكة»، كأن لم تكن أنهار الفرح تنبع من هناك أو تصب..

وتطوف بك الكاميرا على الأبواب المغلقة، ويتعالى في دواخلك الشجن، ويبكي في دواخلك الغناء:

«با بيتها شو غير الأحوال

تا صرت غيبة شمس عم تغفي

ع شرفتك شو يبس الموال

ع شرفتك شو يبس الشرفة

غص الدرج.. نزلت دموع الباب

عمرك شفت شي باب عم يبكي؟!».

[email protected]