«حزب الله».. هو الخاسر

TT

بلغت غطرسة حزب الله اللبناني وفوقيته هذه الأيام درجة ظن أنه بسبب مقاومته السابقة لإسرائيل وخصومته المستمرة لأمريكا سيكون أمام الشعوب العربية والإسلامية ذات الأغلبية السنية الساحقة في مقام أهل بدر، الذين قيل لهم (افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، ولم يدرك أن مهارة الحزب السياسية وحذاقته التكتيكية في الاستفادة القصوى من السمعة التي بناها في مقاومته لإسرائيل، من السهولة أن تنهار بسرعة وقد بدأت بالفعل بالانهيار مع ظهوره مؤخرا بمظهر الحزب البلطجي، الذي يريد أن يفرض أجندته الإيرانية بقوة سلاحه مع الاقتيات من سمعة مقاومته للصهاينة.

لقد مارس حزب الله في الماضي وبدهاء واضح عملية ضبط دقيق لمعيار الطائفية في خطابات قادته، أو بتعبير أكثر صراحة نجح في وضع مساحيق الاعتدال على وجهه الطائفي الصريح، فمحطته الفضائية المنار كانت تمر بين الألغام الطائفية بحركات بهلوانية متقنة، وقادته يحركون عواطف الجماهير الإسلامية والعربية بخطابات نارية تتجنب بحذر بالغ الطرح الطائفي وتصب لهبها على (العدو الصهيوني)، لكن حين تهب عواصف الأزمات المذهبية داخل الجسم العربي، كما حصل في الفتنة الطائفية في العراق، أو كما يجري هذه الأيام على الساحة اللبنانية، يضطر الحزب لإزالة مساحيق الاعتدال وتضطرب أقدام البهلوان.

في الحرب اللبنانية في السبعينات كان البعد الطائفي حاضرا، لكن أوراقه كانت مبعثرة، فهناك صراع إسلامي مسيحي، ومسيحي مسيحي، وسني شيعي، وشيعي شيعي، وأما في مايو (أيار) 2008 فإن الشرخ الطائفي كان الأكبر في الجانب الإسلامي الأكثر سيطرة على الساحة اللبنانية، فقد برزت قوة حزب الله العسكرية والسياسية وذبلت، أو بعبارة أدق خف وهج الأحزاب السياسية المسيحية، فصارت الساحة في الواقع صراعا داخل كينونة الأغلبية المسلمة بشقيها السني والشيعي، وانقسمت الأحزاب المسيحية وأخرى بين مؤيد لهذا الفريق المسلم أو ذاك، وكان المنطق يفرض أن تخف حدة المنافسة داخل المظلة الإسلامية، خاصة أن قادة حزب الله كانوا يتشدقون ليل نهار بالوحدة الإسلامية وتوجيه السهام للعدو الإسرائيلي المشترك، لكن الذي جرى هو العكس، فحزب الله لم يستطع هذه الأيام في أجواء التوتر واحتدام الصراع أن يواصل تخفيه خلف عباءة الاعتدال، لأن المرحلة مرحلة لي أذرعة وصراع استراتيجي (إما أكون أو لا أكون)، فغلبت المصالح الإيرانية والأجندة السورية على مصلحة الوطن اللبناني، فتلاشت التزويقات وذابت المساحيق وارتبكت الحركات البهلوانية، وصار أمله الوحيد الآن أن يراهن على الاقتيات على تاريخه النضالي مع إسرائيل، لعل وعسى ان يخفي ندوبات طرحه الطائفي وتقيحاته، ولا أظنه يفلح.

أنا لا أتحامل على حزب الله ولا على تاريخه في مقاومة إسرائيل، ولكنني أتألم للكذب ونكث الوعود والضحك على الذقون الذي مارسه ويمارسه الحزب في مخاطبته للرأي العام العربي، فهو الذي ألهب أكف الجماهير المخدوعة حين قال زعيمه نصر الله لم ولن نطلق رصاصة واحدة في داخل لبنان ولو جرونا للقتال جرا، وقد صدق فلم يجره أحد للبدء بالقتال، ولكنه هو الذي بادر بإطلاق الرصاص واحتلال عاصمة بلده وتدمير مؤسساته الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى مؤسسة رفيق الحريري التربوية، التي بعثت ورعت أكثر من 35000 لبناني من كل الملل والنحل، لم تسلم من الحقد الطائفي للحزب خلال (الفتح المجيد) لغربي بيروت، فعاثت في مبنى المؤسسة وأحالته خرابا يبابا.

القنبلة النووية الإيرانية، وتدخلات سوريا، وثورة الحوثيين في اليمن، وما يجري على الساحة العراقية، وتسليح حزب الله، وأخيرا الحركة الانقلابية للحزب واحتلاله لبيروت، حبات في سبحة نظمت خرزها إيران، والخافي من (الخرز) أعظم.

[email protected]