هل يعلن حزب الله جمهوريته قريباً؟

TT

لطالما اعتمد حزب الله على باطنية، (والأدق تقية)، سياسية بحيث يعلن عكس ما يضمر ويتحدث بغير ما يفعل، وها هو اليوم يكشف، عن غير قصد ومن دون رغبة منه، عن مشروعه السياسي الذي يتعدى حتماً الحدود اللبنانية بجغرافيتها وتاريخها، بصيغتها وتركيبتها، بتنوعها وديمقراطيتها.

المؤشرات التي قدمها هذا التنظيم، بما أن قدراته ومؤسساته وعملياته وأهدافه تتخطى العمل الحزبي التقليدي وفق معايير الأحزاب السياسية، تعكس بصورة واضحة أنه يغرد في سرب هو أبعد ما يكون عن الواقع اللبناني القائم. وهذه بعض الأمثلة:

* ليس خافياً توجس حزب الله من اتفاق الطائف كإطار ميثاقي مرجعي، يحسم نهائية لبنان وعروبته ويحدد مسار صراعه مع إسرائيل بعد تحرير الأرض ضمن مرجعية اتفاقية الهدنة (1949). فالحزب هدفه الدائم هو الحرب المفتوحة بمعزل عن الخصوصيات أو القدرات اللبنانية.

* وإذا كان الحال كذلك مع مرجعية الطائف، فالوضع حتماً ليس أفضل مع القرارات الدولية من القرار 1559 الذي يدعو لنزع كل السلاح الخارج عن الدولة، مروراً بالقرار 1701 الذي جاء ليحيّد بشكل أو بآخر جبهة الجنوب عن الصراعات الأبدية، وصولاً إلى القرار 1757 الذي يؤكد تطبيق العدالة بحق قتلة الرئيس رفيق الحريري، أي بحق النظام السوري كما يعلم حزب الله تماماً، وهو ما سيرفع غطاء إقليميا هاما عن حزب الله ولو أن العلاقة مع هذا النظام قد اهتزت بفعل اغتيال عماد مغنية.

* لا شك بأن مقاتلي حزب الله حققوا انتصارات في مواجهة العدو الاسرائيلي في حرب تموز 2006، ولكن هذا لا يلغي أن قبول الحزب النقاط السبع (التي تتحدث إحداها عن حصرية السلاح في يد الدولة دون سواها)، وتالياً القبول بالقرار 1701 ونشر قوات دولية جنوب نهر الليطاني، قد حصل في لحظة حرجة سياسياً وعسكرياً، ومن نافلة القول إن الاستمرار بالقبول بقواعد اللعبة التي أرستها تلك اللحظة، هو أمر مستبعد بالنسبة لحزب الله لأن ذلك يعني ببساطة وضع الحواجز أمام المشروع الأكبر والأهم بالنسبة للحزب.

* تدل الأحداث أن ما يقوم به حزب الله يناقض مشروع الدولة بكل معانيها، فهو يملك ترسانة سلاح تتعدى الـ 30 ألف صاروخ، ويمتلك أيضاً شبكة من المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والانمائية والاسكانية التي توازي مؤسسات الدولة، وهي تتعدى مسألة تقديم خدمات متنوعة لتصل إلى استبدال خدمات الدولة بخدمات خاصة من شأنها تعزيز الولاءات والانتماءات من جهة، وإضعاف صورة الدولة والتحريض عليها وعلى دورها من جهة ثانية.

* أفاد تقرير صدر عن وزير الداخلية بأن نحو 170 حالة «مقاومة» لرجال الأمن قد حصلت أثناء قيامهم بواجبهم منذ مطلع العام 2007، أي أنه يعكس منطق المربعات المقفلة، أو «الغيتو» في الضاحية الجنوبية من الرمل العالي إلى طريق المطار إلى كل الأحياء الأخرى. جباة الكهرباء لا يستطيعون تحصيل الفواتير في تلك المنطقة، ووفق المنطق ذاته، تم التحقيق مع دورية للدرك لمدة خمس ساعات، وخطف مسؤول الحزب الاشتراكي الفرنسي كذلك.

* وأخيراً، وليس آخراً، المعلومات التي كشفت عن مراقبة مدرج مطار بيروت، ومد شبكة اتصالات هاتفية في المناطق اللبنانية المختلفة، ودائماً تحت شعار «الأمن الاستراتيجي للمقاومة». فلماذا لا يعلن حزب الله جمهوريته التي بنى مداميكها الواحدة تلو الأخرى بدءاً من منتصف الثمانينات والتي تصاعدت وتيرتها مع التعطيل المؤسساتي المفتعل والازمة السياسية الراهنة بحيث حصلت عملية تحويل أنظار منهجية نحو هذه الأزمة، بينما تسير عملية تركيب أسس جمهورية حزب الله. فما الذي يمنع، تحت شعار الأمن الاستراتيجي إياه، تحديد القوى السياسية المتهمة بالعمالة لاسرائيل (وفق منطقها طبعاً) واتخاذ ما يلزم بحقها من «إجراءات»؟ وما الذي يمنع احتلال ساحات جديدة لاعتبارات أمنية وتعميق سياسة الإفقار الجماعي بحق اللبنانيين إفساحاً في المجال أمام دخول المال النظيف وجعله يفعل فعله بين الناس المحتاجين؟

نكاد في لبنان أو نكون قد وصلنا إلى المرحلة الأصعب، إما الخضوع لجمهورية حزب الله أو مواجهتها كمشروع مناقض للصيغة التاريخية اللبنانية. الأرجح، لا بل المؤكد، أننا من بين الخيارين سنذهب نحو الخيار الثاني.

إنه الخيار الأوحد.

* مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيس تحرير جريدة «الأنباء» اللبنانية