(باي باي)

TT

كل امة وكل طائفة فيها الطيب والخبيث، والناس عموماً ينزلون من بطون أمهاتهم كالصفحات البيضاء الخالية من أي دنس، إلى أن (يلوثها) الأدعياء والسحرة والدجالون، بعدها تبدأ ملامح الشياطين تتشكل في دواخلهم.

وإليكم هذه الحادثة التي حكاها لي صاحبها، قال: سافرت إلى بلد خارجي، وبينما كنت واقفاً أمام (الاستعلامات) في احد الفنادق وواضعاً حقيبتي على الأرض بجانب قدمي، وبلحظة وإذا بالحقيبة تختفي وفيها نقودي وبطاقات الاعتماد وأوراقي وتذكرة الطيران وصور عائلتي وكل ما يخصني.

استصبت وبحثت وبلغت دون طائل، ثم استسلمت ورجعت إلى بلدي، وبعد ثلاثة أسابيع من عودتي، وإذا بطرد بريدي يأتيني عبر (دي. اتش. ال) وفيه بطاقات الاعتماد وتذكرة سفري وكل ما يخصني ما عدا النقود والمرسل هو: (جوزف لوفيراس) مع عنوانه دون أي رسالة.

وبعدها بأسبوع وإذا بي أتلقى حوالة على البنك (بتسعة وعشرين ألف دولار) هي مقدار نقودي التي كانت في الحقيبة وهي مرسلة أيضا من (لوفيراس)، وبعدها أتتني رسالة من ذلك الشخص وفيها، الآتي: آمل أن أغراضك الشخصية والحوالة المالية قد وصلتك، فقط لكي تعرف أن (الدنيا ما زالت بخير) ـ التوقيع (لوفيراس).

وبعد ما يقارب من سنة، ذهبت إلى تلك الدولة في رحلة عمل واتصلت بذلك الشخص، وحاولت دعوته على العشاء في فندقي الذي انزل فيه غير انه اعتذر وتواعدت معه في مقهى شعبي هو الذي اختاره، وعندما حضر وإذا به رجل تجاوز عمره الخامسة والسبعين، وعرفت منه انه متقاعد من العمل ويحصل على راتب قدره (605) دولارات، ويدفع (380) دولاراً شهرياً في غرفة في أحد البنسيونات، وهو لم يلب دعوتي للعشاء في فندقي الفخم بسبب انه لا يملك (بدلة) لائقة، كما انه يأسف لأنه لم يبعث لي الحقيبة لأنه عندما انتشلها من حاوية الزبالة وجدها مهشمة وممزقة، وكانت النقود مخبأة في باطن الحقيبة السفلي ولم يفطن لها اللص.

سألته مستغرباً ما الذي دفعك لأن تفتش في حاوية الزبالة؟! ضحك من كلامي ثم استدرك قائلاً: معك الحق في أن تستغرب فأنا ما فتئت في كل يوم اذهب إلى حاويات النفايات لكي استخلص أي شيء فيه (ألمنيوم) لأبيعه وبثمنه الزهيد أتبرع لمستشفى يعالج الأطفال من السرطان.

حاولت أن أعطيه مبلغاً من المال لكنه رفض، وبعد إلحاح مني قبل أن يأخذ فقط ثمن فاتورة الإرسال التي بعثها لي بالبريد، وهي لا تزيد عن (45 دولارا)، وأخيراً سألته متعجباً، كيف لم تسول لك نفسك وتأخذ النقود على الأقل؟! أجابني وهو أكثر عجباً مني وقال: كيف أخذ مالاً ليس لي؟!

عندها خجلت من نفسي، وذهبت إلى مستشفى السرطان لعلاج الأطفال وتبرعت بعشرة آلاف دولار.

ولكي أخرجكم من هذا الجو المثالي أريد أن احكي لكم حادثة حقيقية حصلت لي في السبعينات الميلادية في ايطاليا، وهي أشبه ما تكون بالكذبة، فبينما كنت أريد أن ألحق بقطار الدرجة الثانية الذي تحرك ولم يكن بيني وبين الباب المفتوح إلاّ عدة خطوات وكنت اركض كالمهبول وحقيبتي في يدي وهي التي أعاقتني من الصعود ودون أن اسقط وإذا بأحد الركاب يمد لي يده لكي يساعدني بأخذ الحقيبة، وفعلاً ناولته إياها، غير انني لم استطع اللحاق بالباب الذي أغلق في وجهي، وما زلت اذكر الابتسامة الخبيثة لذلك الشخص الذي اخذ الحقيبة وهو يؤشر لي بيده قائلاً: (باي باي).. وقفت مذهولاً، ثم توجهت إليه بسيل من الشتائم المقذعة إلى أن اختفى القطار عن ناظري.

[email protected]