أوباما يبدي إعجابه بالرئيس بوش الأب

TT

استجابة لشن حزب الله هجوماً مسلحاً ضد الحكومة اللبنانية الديمقراطية أصدر باراك أوباما بياناً، دعا خلاله «كل من يتمتع بنفوذ على حزب الله» إلى «الضغط عليه للتراجع». ثم أعلن أوباما: «حان الوقت للمشاركة في جهود دبلوماسية للمساعدة في بناء إجماع لبناني جديد يركز على الإصلاح الانتخابي ووضع نهاية لنظام الموالاة والمناصرة الحالي الفاسد، وتحقيق تنمية اقتصادية تضمن توزيعاً عادلاً للخدمات والفرص والعمل».

وقد حمل هذا البيان نفحة مما وصفه الرئيس بوش يوم الثلاثاء بـ«الاسترضاء»، ما أثار التساؤلات حول ما إذا كان أوباما على درجة من السذاجة تدفعه للاعتقاد بإمكانية تعديل سلوك منظمة أيديولوجية متطرفة مثل حزب الله، من خلال إقرار نظام أقل فساداً وإجراء بعض الإصلاحات بالنظام الانتخابي؟ وهل يؤمن أوباما حقاً بأن حزب الله يشكل وكالة عادية تعنى بالخدمات الاجتماعية وتسعى لضمان المزيد من الخدمات الحكومية لصالح أنصارها؟ وهل يعتقد أنه حتى أكثر الأعداء عناداً من الممكن التغلب على خطرهم عن طريق الدبلوماسية؟ وما ماهية «الإجماع اللبناني» الذي يمكن لحزب الله أن يشكل جزءًا منه؟

إذا كان أوباما يؤمن بكل ما سبق، فإنه لا يتبع التوجهات الليبرالية التي تميز بها جيمي كارتر فحسب، وإنمــا تجاوزهـا إلى الإيمان بأفكــار نـاعومي تشومسكي. من جانبي، لم أوافق أوباما الرأي فيما أعلنه في بيانه. لذا، تحدثت إليه وسألته عن المعنى وراء البيان. منذ البداية، حرص أوباما على إعادة التأكيد على أن حزب الله: «ليس حزباً سياسياً شرعياً»، وإنما يعتبر «قياساً بأي قواعد للمنطق السليم منظمة تسبب زعزعة الاستقرار. ولم يكن ذلك ليحدث بدون دعم إيران وسوريا».

بعد ذلك، سألت أوباما عن مقصده من وراء التأكيد على إصلاح نظام الانتخابات والموالاة، فأجاب أن الولايات المتحدة ينبغي عليها مساعدة الحكومة اللبنانية على توفير مستوى أفضل من الخدمات إلى الشيعة «من أجل القضاء على الدعم الذي يحظى به حزب الله»، علاوة على تشجيع السكان المحليين على «النظر إلى الجماعة باعتبارها قوة مستبدة». وأضاف أوباما أنه ينبغي على واشنطن «التوصل إلى آلية يصبح للمظلومين من خلالها منفذ للتعبير عن مظالمهم، ما يضمن لهم التمتع بخدمات اجتماعية».

وشدد أوباما على حاجة واشنطن لاتباع سياسة خارجية «تتفحص الأسباب الجذرية للمشكلات والأخطار». وقارن أوباما بين حزب الله وحماس، مشيراً إلى الحاجة لإجبارهمــا على إدراك «أنهما ينحدران نحو نفق مظلم بانتهاجهما سبيل العنف الذي يلحق الضعف بمطالبهما المشروعة». في الواقع، يدرك أوباما جيداً المغزى وراء سؤالي بشأن لبنان. ويعرف الجميع أن أوباما ذكي ويتميز بقدر جيد من المعرفة فيما يخص الشأن اللبناني. لكن التساؤل الآن ما إذا كان قد بلغ درجة من النضج والحزم تمكنه من التعامل مع أعداء معاندين.

وفي إطار حديثي معه قال أوباما: «سيدور النقاش الذي سأخوضه مع جون ماكين حول ما إذا كنت أعي جيداً المزيج بين العملين العسكري والدبلوماسي اللذين سيتعين علي الاضطلاع بهما»، مضيفاً: «إنني أرفض باستمرار فكرة أن أي إشارة إلى استراتيجيات تتضمن الدبلوماسية تمثل تراخياً أو توحي بالاستسلام أو تعني أننا لن نتصدى بصرامة للإرهاب. هذا هو أسلوب النقاش الذي أسفر عن تخبط مستمر». وأشار أوباما إلى أنه توصل إلى أن آراءه تتطابق مع تلك الخاصة بكبار مسؤولي المؤسسة العسكرية، مؤكداً أن: «الجنرالات متقدمون عن المدنيين بسنوات عديدة. إنهم يحاولون إنجاز المهام وليس الاكتفاء بالتحلي بمظهر صارم». ومع أن أوباما لا يعلن كثيراً عن اشمئزازه الأخلاقي عند الحديث عن الجماعات الإرهابية، فإنه تعهد بأنه في بعض الجوانب سيتحلى بقدر أكبر من الصرامة إزاءها عما أبدته إدارة بوش. كما قال إنه سيبذل المزيد من الجهود لتسليح المؤسسة العسكرية اللبنانية وسيبدي حزماً أكبر تجاه كوريا الشمالية. وقال: «هذا ليس مجالا للجدال بين الديمقراطيين والجمهوريين. إنني أكن تأييداً كبيراً للسياسة الخارجية التي انتهجها جورج إتش. دبليو. بوش. وليست لدي الكثير من الاعتراضات على أسلوب تعاطيه مع عملية «عاصفة الصحراء». وأيضاً ليست لدي اعتراضات كثيرة على أسلوب تعامله مع سقوط سور برلين».

جدير بالذكر أنه في مطلع التسعينات، ثار جدل كبير بين الديمقراطيين وإدارة بوش الأولى حول عمليات التدخل لأغراض إنسانية وما إذا كان ينبغي المشاركة في يوغسلافيا السابقة وما إلى غير ذلك من القضايا. وفي الحقيقة فإن أوباما يتحدث من الناحية العاطفية مثل الديمقراطيين خلال هذه الحقبة، حين نظروا إلى السياسة الخارجية من أعلى إلى أسفل، ولكن من الناحية العملية، فإنه يعلن تأييده للنهج الواقعي حيال إبرام الاتفاقات الذي تميز به بوش الأب. من الواضح أن أوباما يحمل بداخله كلا من هاري هوبكنز وجيمس بيكر.

* خدمة «نيويورك تايمز»