تخويف الغير بتخوينهم!

TT

هالني الكلام الفظيع الذي رمته نائبة برلمانية أردنية ضد مسؤولين، متهمة اياهم بالتواطؤ والخيانة وبيع البلاد وغير ذلك، لان الدولة خصصت قطاعات حكومية، او باعت اراضي رسمية للقطاع الخاص. ولو صدقناها فهذا يعني ان ثلاثة ارباع حكومات العالم خائنة، ومعظم خبراء الاقتصاد الذين يتبنون جذب الاستثمار الخارجي جواسيس. بصراخها لم تسئ الى مسؤول، او حكومتها، بقدر ما شوهت مفاهيمَ نبيلة جاءت بها الى البرلمان، فأكدت، ما يقوله كثيرون اليوم بعد تجربة البرلمانات العربية المتعثرة، من أننا كعرب لا نستحق الديموقراطية ولا نستأهل الحرية. الذي اعترضت عليه النائبة الاردنية، ناريمان الروسان، كان لها ان تقوله بفم واسع وصوت عال، ومن حقها، بل من واجبها ان تقوله، دون الحاجة الى رمي الخصوم بتهم التجسس والخيانة. فهي قضايا يمكن الترافع فيها بالبرلمان نفسه، او الاحتكام أمام المؤسسات القضائية. من حقها ان تقول انها ضد سياسة التخصيص، وضد بيع اراضي الدولة، ومن واجبها ان تقدم الدليلَ على ما تعتقد انه ممارسات خاطئة، لكن ان ترمي غيرها باتهامات خطيرة من خلال الإعلام لا يمكن تفسيره الا بالرغبة في تخويف الخصوم وتأليب الرأي العام. نقول للنائبة زوري دبي، وأبوظبي، والبحرين، وقطر، وتونس، والمغرب، وحتى سوريا اذا كانت معجبة بالنظام السوري. زوري هذه البلدان لتعرفي كيف تغير العالم من حولك، وترين ان التطور الحاصل مصدره هو منح الأجانب، سواء كانوا عرباً او هنوداً او امريكاناً، حق الاستثمار والتملك، وبيعت لهم اراض حكومية وخاصة وغيرها. هذه ليست خيانة ولا جاسوسية بل تنمية للبلد، الا اذا كان مثلها الاعلى نظام عمر البشير في السودان، فهذا امر يصعب علينا ان نناقشه، حيث تتعطل لغة الكلام. الحقيقة ان الاردن، بخلاف ما تصوره النائبة، مقصر ومتأخر في النظر بقوانينه القديمة، التي لا تزال حكومية بيروقراطية حمائية تنفر المستثمرين من المجيء لبلدها. كثيرون لاموا الأردن لأنه أخر التنمية بسبب تحفظه وتباطئ انفتاحه. فمشروع تطوير العقبة مطروح منذ زمن لكنه لم يكن مغرياً للمستثمرين الدوليين الذين اعتبروا انظمته معقدة. كما ان تطوير وسط العاصمة، عمان، تأخر أيضاً بسبب المماطلات البيروقراطية في وقت طارت فيه الاستثمارات الى البحرين، وكبرت دبي حتى اصبحت عاصمة آسيا الحديثة. المضحك المبكي أن الاردنَ هو الذي اخترع فكرة المدينة الاعلامية الحرة لاجتذاب المستثمرين الاجانب قبل نحو سبع سنوات لكن البيروقراطية أفشلته حتى الآن، فأخذتها دبي وبنتها فأنعشت اقتصاد الامارة وصارت اليوم عاصمة الإعلام العربي.

هذه ليست خيانة أو جاسوسية أو بيعا للبلد، بل سياسة تطبقها معظم دول العالم الناجحة، باستثناء بلدان قليلة اشتراكية او عاجزة عن التغيير او رافضة للتقدم.

وبقدر ما يمكن ان يفخر المتابع للديموقراطية الاردنية بحرية التعبير هناك إلا انه يصدم بمثل هذه الممارسات. فلا احد ينتقص حق النائب البرلماني في ان يسائل حكومته عن ممارساتها، وانفاق اموالها، دون الحاجة الى الاساءة الى الغير، واللجوء الى اسلوب الترويع والارهاب الكلامي الذي مله الناس.

[email protected]