مصلحة سورية

TT

كثير من التساؤلات طرحت منذ الاعلان الرسمي من جانب سورية واسرائيل عن المفاوضات غير المباشرة بينهما برعاية تركيا عن جدية ونيات الطرفين من استئناف المحادثات حول السلام، وهي تساؤلات وشكوك لها محلها في ضوء مواقف وارتباطات دمشق الاقليمية والمشاكل الداخلية التي يواجهها رئيس الوزراء الاسرائيلي والتي قد تهدد مستقبله السياسي.

كما ان هذه المفاوضات جاءت بعد اشهر من تصعيد وصل الى درجة غارة اسرائيلية على ما وصف بمفاعل نووي تبنيه كوريا الشمالية، ووسط تقارير عن عدم حماس واشنطن اهم حلفاء اسرائيل لفتح قناة مفاوضات سلام سورية ـ اسرائيلية طالما لم تسو دمشق استحقاقاتها الاقليمية في قضايا اخرى محل مواجهة مثل قضية المتطرفين الذين يذهبون الى العراق، والقضية اللبنانية والعلاقة مع ايران ومع منظمات مثل حماس وحزب الله.

وسط مناخ الشكوك كان ملاحظا ان الطرفين ومعهما الوسيط التركي حرصا اكثر من مرة على تأكيد جدية مفاوضاتهما كما جاء على لسان رئيس الوزراء الاسرائيلي وانقرة التي رعت جولة المفاوضات المعلنة الاسبوع الماضي بعد شهور من الاتصالات التي لم تمنع سريتها من تسرب انبائها الى الاعلام، وكما عكست تصريحات دمشق نفس هذا الاتجاه مع حرص على التكتم على التفاصيل.

وكعادة أية مفاوضات كان لابد ان يحدث تراشق المساومات حول المطالب، وهنا يبدو انه لا يوجد خلاف حول جوهر المشكلة بين سورية واسرائيل وهو اعادة هضبة الجولان المحتلة منذ 1967، فالخلاف الذي عكسته تصريحات الجانبين كان حول علاقة دمشق بايران وحزب الله وحماس وهو ما قالته وزيرة الخارجية الاسرائيلية علنا، وردت عليه دمشق برفض ما وصفته بالشروط المسبقة.

واذا كنا لا نستطيع ان نصل الى حكم قاطع على النيات الحقيقية، وما إذا كانت هناك جدية كافية متساوية من الطرفين للسير الى اخر الطريق، او اذا كانا يستهلكان الوقت فقط في انتظار قدوم الرئيس الأميركي المقبل، الا ان ما حدث هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وتصب في مصلحة سورية، وفي مصلحة الاستقرار الاقليمي ومن شأنها فكفكة قضايا اقليمية خلافية اخرى بما فيها الحدود اللبنانية، وملكية مزارع شبعا وما اذا كانت تعود الى سورية او الى لبنان بما يصب في مصلحة الاستقرار الاقليمي.

هناك مخاوف من ان يكون فتح هذا المسار على حساب المسار الفلسطيني المتعثر، وهي مخاوف لها ما يبررها اذا كان هدف احد الاطراف هو استخدام هذا الملف من اجل عرقلة الاخر، لكن اذا كانت النيات جدية كما يقال فان تحقيق تقدم على مسار من شأنه ايجاد ارضية واجواء عامة تعيد المنطقة الى اجواء التفاؤل بالوصول الى تسويات سلام شاملة التي كانت سائدة في منتصف التسعينات.

وحتى قضية العلاقة بتنظيمات مثل حماس وحزب الله يمكن ان تأخذ مسارا اخر في اجواء مثل هذه، وليس متصورا ان دولة ستضحي بمصالح استراتيجية لها من اجل ميليشيا او تنظيم هنا او هناك الا لو كان هناك شيء خطأ، ففي النهاية مصلحة الدولة السورية الاولى هي استعادة ارضها، اما المصلحة الاستراتيجية فهي توفير اجواء استقرار تمكن من تحديث المجتمع ورفع مستوى معيشة الناس وايجاد وظائف خاصة اذا كان الوضع الاقتصادي ضاغطا.