طهران ولعبة الثلاث ورقات

TT

يبدو أن المسرح أعد لصراع جديد على السلطة داخل إيران. فالرئيس محمود أحمدي نجاد يفكر بالفعل في إعادة انتخابه عام 2009، ويرى أنه سوف يواجه منافسة من ثلاث شخصيات كانت تنافسه في انتخابات عام 2005.

فهناك هاشمي رفسنجاني عالم الدين ورجل الأعمال الذي هزمه نجاد في الجولة الأخيرة في الانتخابات الماضية. ومنذ ذلك الوقت، عاد رفسنجاني إلى رئاسة مؤسستين مهمتين: مجلس الخبراء الذي ينتخب المرشد الأعلى ومجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يحكم بين المجلس الإسلامي والحكومة التي يرأسها الرئيس.

والمنصبان يعطيان رفسنجاني قوة لمجابهة الرئيس المتشدد. ولكن حتى من دون هذين المنصبين، فإن رفسنجاني بفضل ثروته الطائلة يتمتع باتصالات عديدة، كما كان مساعدا مقربا لآية الله الخميني، ويبقى له ثقل لا يتمتع به أحمدي نجاد.

وهناك الجنرال محمد باقر قاليباف وهو عسكري طموح أصبح عمدة لطهران منذ نحو سنتين. وقد زار قاليباف عددا من العواصم الأجنبية وحضر المؤتمر الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا ليصور نفسه على أنه تحد محتمل لأحمدي نجاد في انتخابات العام المقبل.

وفي عام 2005، أصبح قاليباف هو المرشح المفضل لجماعة واحدة على الأقل داخل حرس الثورة الإسلامية. وقد توقع العديد من الأفراد فوز قاليباف لأنه وضع على رأس قائمته ابنا للمرشد الأعلى علي خامنئي.

ويعتقد أصدقاء قاليباف أنه سوف يخسر، لأن رجال الدين لا يحبون صورته «كرجل قوي». وعلى أية حال، فما زال قاليباف موجودا وربما يحلم بالفوز بما يعتقد أنه كان عليه الفوز به منذ ثلاث سنوات.

والرجل الثالث هو علي لاريجاني، الذي انتخب أخيرا في منصب مؤثر وهو المتحدث باسم البرلمان الإسلامي الإيراني.

وقد دخل لاريجاني في انتخابات عام 2005 وحصل على المركز قبل الأخير في عدد الأصوات. ومع ذلك، فقد تمكن هذا الربيع في الترشح بعدد جيد من الأصوات في مدينة قم، وهي معقل علماء الدين، ثم فاز بمنصبه الجديد بعدد كبير من الأصوات لم يسبقه إليه أحد منذ عام 1984. وحقيقة أن الرجل الذي هزمه لاريجاني هو غلام حداد عادل قريب للمرشد الأعلى، تشير إلى أن خامنئي كان يرغب في فوز لاريجاني.

ويتمتع لاريجاني بميزات أخرى. وهو كابن لرجل دين فإنه مقرب لرجال الدين التقليديين. لكنه يحظى بتقدير في الغرب أيضا. فخافير سولانا مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية لا يذيع سرا عندما يعبر عن إعجابه بلاريجاني، المتحدث الرسمي السابق لإيران في محادثات الطاقة النووية.

ويقول عنه سولانا: «إنه رجل يمكن أن نعمل معه». كما أن لسولانا معجبين في لندن وواشنطن. فقد عبر عضوان في مجلس العموم البريطاني، لم يرغبا في الكشف عن هويتهما، عن أن لاريجاني فقط هو الذي استطاع منع قطع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وطهران.

ويرى المراقبون في طهران أن الوضع الجديد من شأنه أن يمنح لخامنئي فرصة ممارسة لعبة الثلاث ورقات. فلديه ثلاثة رجال يقدم كل منهم شيئا مختلفا عن الآخر. فخامنئي يستطيع اللعب بورقة رفسنجاني لتطمين رجال الأعمال ورجال الدين المحافظين والبيروقراطيين. وهناك ورقة قاليباف، التي يمكن عن طريقها تطمين ضباط حرس الثورة الإيرانية وأصدقائهم من رجال الأعمال، بالإضافة إلى أولئك الذين يأملون في أن تفرز الثورة في نهاية الأمر «بونابرت» الخاص بها.

أما ورقة لاريجاني فيمكن اللعب بها عندما تشعر الجمهورية الإسلامية بأنها مهددة بعمل عسكري من قبل الولايات المتحدة. فيمكن وضع لاريجاني في المقدمة كرجل مفاوضات ورجل سلام. فوجوده سوف يمكن الأوروبيين من مقاومة الأميركيين في حالة فوز جون ماكين برئاسة الولايات المتحدة. فإذا أردت مأدبة عشاء، فعليك الاتصال برفسنجاني. وإذا أردت إخافة معارضيك، فعليك بورقة قاليباف. وإذا أردت خداع الأوروبيين، الذين يحبون الخداع شريطة أن يكون ذلك بطريقة لطيفة، فعليك اللعب بورقة لاريجاني.

لقد قال الشاعر الإيراني سناي، إن هناك حاجة لأمرين لحكم بلد: الأول أصفر اللون، والثاني مثل الحرير. الأصفر هو الذهب بالطبع، والذي يشبه الحرير هو السيف.

وفي العالم الحديث، هناك حاجة لأمر ثالث أحمر اللون وهو اللسان لتملق الأصدقاء والأعداء. وبهذه البطاقات الثلاث، فإن خامنئي يحصل على هذه الأمور الثلاثة التي يحتاج إليها.

وبعد كل ما قلنا، فليس من اللائق أن ننسى البطاقة الرابعة، وهي البطاقة الأقوى: أحمدي نجاد.

فالتخلص منه لن يكون سهلا، لاسيما إذا كان قادرا على تحقيق نجاح كبير. فقد أخاف الأميركيين وأذلهم، كما أنه وضع موضوع «مسح إسرائيل من على الخارطة» في مركز الجدال، من دون عواقب سلبية. كما أنه أحيا الشعارات الثورية التي يرى رفسنجاني وقاليباف ولاريجاني أنها لم تعد لائقة. فإذا كانت إيران ترغب بالفعل في صنع القنبلة، فإن أحمدي نجاد قدم العنصر الأساسي الأول الذي تحتاج إليه.

وبفضل الأسعار المرتفعة للبترول، فإن أحمدي نجاد وجد الكثير من المال ليوزعه هنا وهناك، وحصل على المزيد من التأييد الشخصي بإنفاق مبالغ كبيرة في أفقر مناطق البلاد. وربما يكون ذلك ليس صحيحا من الناحية الاقتصادية كما يقول محافظ البنك المركزي الإيراني تاهماسب مظهري. ولكن في الوقت الذي يكون فيه النظام في موقف دفاعي على الجبهة السياسية الداخلية، فربما يكون ذلك من الحكمة.

ولكي يتم إرغام أحمدي نجاد على عدم الترشح مرة أخرى فهذا أمر ليس سهلا.

فهو يعتقد أن عليه مهمة من «الإمام الغائب» وعليه ألا يجعل الآخرين يتدخلون حتى يقوم بإنجازها.

ومن الممكن بطبيعة الحال ترتيب الأمور بحيث يخسر الانتخابات لصالح بطاقة من البطاقات الثلاث الأخرى.

ومع ذلك فإن الأمر لن يكون سهلا. فلم يتم من قبل إرغام رئيس للجمهورية الإسلامية على التخلي عن الترشح للانتخابات. ومن شأن التظاهر بمعارضة الناخبين لأحمدي نجاد أن يوحي بأن السنوات الأربع الماضية لم تلق الترحيب من قبل الإيرانيين، وهو أمر يجب أن يفكر فيه المرشد الأعلى ملياً.

وربما يكون العامل الأكثر أهمية في الوقت الحالي هو أن أحمدي نجاد قد كون قاعدة شعبية داخل حركة الخمينيين. فالعديد من الأفراد يحبون محاربته للفساد على الرغم من عدم تحقيقه نتائج كبيرة.

وطالما أن أحدا لم يوقفه، فلن يكون هناك سبب لذلك.

فأحمدي نجاد يبقى الجوكر الثوري في مجموعة بطاقات اللعب.