الشيء الذي أغفله أوباما

TT

إن الإعداد لخطب حفلات التخرج أمر صعب.

وكنت قد ألقيت خطابا في إحدى الكليات منذ حوالي سبعة أعوام. فبذلت كثيرا من الجهد بالرجوع إلى خطب من الأعوام السابقة، وكتابة عدة مسودات للخطاب. وقد انتهيت بملاحظات فوجئت ـ حتى وأنا ألقيها ـ بأنها عادية ومكررة. ولحسن الحظ، يبدو أنه لم ينتبه لها أحد، كما أنها كانت مختصرة. وأظن أنني لم أفسد فرحة اليوم على الخريجين وأولياء أمورهم.

ومنذ ذلك الحين، كلما شاهدت خطب حفلات التخرج، أشعر بالإعجاب الشديد تجاه هؤلاء المتمكنين من إلقاء الخطب.

ولن تعجب إذا عرفت أن أوباما واحد من هؤلاء. وقد ألقى خطابا يوم الأحد قبل يوم الذكرى في جامعة ويسليان في ميدلتاون في ولاية كونيكتيكت، بدلا من السيناتور تيد كينيدي عن خدمة بلادنا. وكان الخطاب مكتوبا بمهارة، وألقي ببراعة. وبدت النصائح التي قدمت عن الخدمة العامة نابعة من القلب، ولكن بغير إفراط . وقد كانت الخطبة ناجحة. وكانت أيضا مفيدة، فقد أطلعتنا على رؤية أوباما لنفسه وللخدمة العامة.

فقد اختار أوباما أن يقدم فكرة الخدمة العامة من خلال سيرته الذاتية. فقال: «في الكلية، بدأت ألاحظ عالما أكبر مني». لذلك، بينما كان زملاؤه يبحثون عن وظائف في وول ستريت، قدم أوراقه للالتحاق بوظيفة كناشط محلي. وفي أحد الأيام، عرضت عليه مجموعة من الكنائس في شيكاغو وظيفة كمنظم مجتمعي براتب 12,000 دولار في العام، بالإضافة إلى 2,000 دولار من أجل شراء سيارة قديمة مستعملة. «وقد قبلت الوظيفة»

وجاءت تلك الكلمات القليلة في فقرة مستقلة في النص المكتوب. فقد أراد أوباما أن يثير إعجابنا بقصة رفضه للمبالغ الكبيرة، وبقبوله الجريء لهذا الأجر الزهيد في مقابل قيامه بعمل جيد.

فلنترك جانبا أنه مر عامان بعد تخرج أوباما في كولومبيا عام 1983 وحتى ذهابه إلى شيكاغو عام 1985. فالاختصار الزمني في القصة أمر ضروري. ولنترك جانبا أيضا ما إذا كان مبلغ 14,000 دولار عام 1985 قليل جدا لشخص حديث التخرج، مع تكيف الدولار مع التضخم في ذلك الوقت. ولكن الأمر المهم هنا هو المرتب الذي يتقاضاه المحررون المساعدون حديثو العمل في ذا ويكلي ستاندرد اليوم.

وكان الأكثر مفاجأة هو خطأ أوباما في إغفال شيء ما. ففي بقية الخطاب ذكر بالتفصيل «الكثير من الطرق (المتاحة) لخدمة الوطن.. في هذه اللحظة في تاريخنا». فهناك فيلق السلام وهناك الطاقة القابلة للتجديد، وهناك التعليم، وهناك الفقر، وهناك الكثير من القضايا التي يمكنك أن تتبناها «إذا ما سلكت طريق الخدمة العامة».

ولكن كانت هناك طريقة جلية في مجال الخدمة العامة لم يوص بها أوباما، بل إنه لم يذكرها: الخدمة العسكرية. وكان قد ذكر كلمة الحرب مرتين: «في وقت الحرب، علينا أن نعمل من أجل السلام»؛ نحن نواجه «تحديات كبرى مثل الحرب والركود». ولكنه لم يقل شيئا عن خدمة الوطن بارتداء الزي العسكري.

ولا يمكن أن يكون ورود الخدمة العسكرية كأحد أساليب الخدمة العامة الرائعة لم يخطر على فكر أوباما. وقبل ذلك بيوم، كان أوباما يتجادل مع ماكين حول إعانات المحاربين القدامى. وقد قال حينها: «بالطبع أكن الاحترام لجنودنا، وأريد أن أضمن معاملة كريمة ومحترمة لهم».

وفي اليوم التالي لحفلة تخرج ويسليان، كان أوباما في نيومكسيكو، حيث أعرب عن إجلاله وتقديره للجنود القتلى في خطاب بليغ بمناسبة يوم الذكرى. ولكن في احتفال إحدى جامعات الشمال الشرقي، لم يرغب أوباما في تعكير صفو تهنئة ذاته. وقد شعر بعدم الرغبة في تذكرة الطلبة بنوع آخر من أنواع الخدمة العامة التي تتضمن مخاطر أكبر من التنظيم المجتمعي. كما شعر بعدم الحاجة إلى إخبار الخريجين في حدائق ميدلتاون المبهجة بأن عليهم أن يشعروا بالامتنان لأقرانهم الذين ذهبوا بعيدا ليواجهوا المخاطر باسم وطنهم.

ولم يشأ أوباما أيضا أن يذكر جميع هؤلاء الخريجين الذين سيلتحقون بالجيش الآن، إما كفترة من الواجب أو كوظيفة، من أجل خدمة وطنهم.

لقد فشل أوباما في تحدي ما كان يظنه ضررا لكثير من جمهوره وأفرط في الوطنية السهلة.

فهل كانت تلك خدمة عامة؟

* خدمة «نيويورك تايمز»