هدوء.. قد يتصالحون!

TT

بعد عام على انقلاب غزة، وسيطرة حماس على القطاع، ووقوع قتلى ودمار وحصار، وخسائر مالية بلغت المليار دولار، بدأ الحديث الآن عن محاولة صلح بين الفلسطينيين.

ما أن دعا الرئيس محمود عباس للحوار والمصالحة حتى تبدل الخطاب الإعلامي من التحريض والتخوين والتكفير إلى لغة أخرى. استبدل تلفزيون «الأقصى» التابع لحماس مصطلح «أجهزة دايتون (نسبة إلى المنسق الأمني الأميركي كيث دايتون) وأجهزة عباس وفياض» بـ«الأجهزة الأمنية» واستبدل تلفزيون فلسطين تعبير «عصابات وميليشيات حماس الإنقلابية» بـ«شرطة الحكومة المقالة».

هكذا فجأة نضج «الأعدقاء». وبدأ الحديث عن تهدئة وحوار، ومطالبات للدول العربية من أجل قيادة مصالحة فلسطينية جديدة تأتي بعد المرة الألف. فأي رعونة، واستهتار بقضية وشعب أكثر من هذا؟

حماس، وخصوصا قائدها المتنقل بين دمشق وطهران، لا تفلح إلا بإطلاق الشعارات، والتخوين، والترهيب، والعظة، التي ليت مشعل يوفرها لنفسه، ومثله اسماعيل هنية الذي اختفى ما أن لوح له الإسرائيليون بالاغتيال، وترك أهل غزة يواجهون المصير المجهول.

مشاعر الضجر والتململ من تصرفات حماس ليست رأي كاتب، أو متابع للأخبار، بل هي رأي بعض قيادات حماس نفسها التي أدركت أن الحركة لا تسير وفق المصلحة الفلسطينية، بل من أجل مصالح سورية ـ إيرانية.

فهذا مصدر من قيادات الصف الثاني في حماس يقول لصحيفتنا قبل أيام إن «ثمة قناعة لدى العديد من قيادات حماس وقواعدها بأنه سيكون من الصعب على الحركة الاستمرار في إدارة قطاع غزة لفترة طويلة مع غياب المصالحة وتواصل الحصار وبعض التصرفات الخاطئة من قبل بعض أجهزة الحركة، لذلك فإنها تدفع في اتجاه الحوار والمصالحة».

للأسف إن القيادات الفلسطينية أثبتت أن لديها مقدرة على تدمير الذات، ولا تتصرف فقط وفق مبدأ «علي وعلى أعدائي»، بل وعلى أصدقائي، وهذا ما فعلته حماس بمصر. فهل يعقل أن يحترب أبناء شعب واحد تحت الاحتلال؟ وهل يعقل أن يسترخص دم الشعب الفلسطيني مرتين، مرة من المحتل وأخرى من قياداته، مع تحويله إلى ورقة بيد إيران؟

قبل مدة جمعنا لقاء مع مسؤول أوروبي كبير قال إن أسعار النفط مرتفعة، وعلى الخليجيين مساعدة الفلسطينيين ماليا لبناء غزة. راق الحديث للبعض، وأصابني الذهول. هل لهذا السبب تتصرف القيادات الفلسطينية بكل رعونة، ومثلها لبنان. فالمنطق هنا: دمر، وهم يعمرون، ومن يرفض فهو خائن وعميل أميركي ـ إسرائيلي!

لا بد أن يعي الفلسطينيون ان عليهم مسؤولية حرمة الدم الفلسطيني، واحترام المؤسسات، والعمل من أجل القضية بعيدا عن الشعارات المزيفة والاستغلال الديني. لا يجوز أن تدفع أموال لمصالحة الفلسطينيين، ومن ثم تدفع لتدمير مصالحتهم، وبعد ذلك يدفع لهم للمصالحة من جديد.

الدم، والدمار ليسا لعبة بيد مشعل، والفخر ليس بقرابين الشهداء، بل بحجم العمل والبناء، والتعليم. الموت أسهل بكثير من تعليم وتوفير لقمة العيش، والسعي من أجل الدولة الفلسطينية.

لا يهم ما يفعله الأميركيون أو الإسرائيليون، الأهم أن الفلسطينيين منشقون على بعضهم البعض وأعداء في ما بينهم. هذه هي الحقيقة.

[email protected]