قضايانا الخاصة

TT

في خبر في زاوية غير بارزة في إحدى الصحف أدرج تحقيق صغير عن مسرحية فنية عرضت مؤخراً في الضفة الغربية وتتناول المشاكل الاجتماعية التي يعيشها فلسطينيو الضفة بقالب فني. تتناول تلك المسرحية الأوضاع الصعبة خصوصاً لجهة مستويات الفقر والعنف الأسري سواء ضد الأطفال أو المرأة.

بدا لافتاً أن تتكشف أوضاع اجتماعية عبر مسرحية، بل ربما من الضروري أن تستغل مختلف وسائل التعبير خصوصاً الفنية منها في تجسيد الكثير من الظواهر لكن تناول الموضوع هنا يأتي من زاوية الإشارة إلى تخلي كثير من الإعلام العربي عن قضايا جوهرية هي في أساس وظيفة الإعلام وبالتالي الاستعاضة عن هذا الدور بأعمال فنية أكثر لصقا وتعبيرا عن وقائع حياتية يومية وهو ما بات مكرسا في بعض الانتاجات الثقافية الفنية العربية..

لا شك في أن القول إننا نكتشف ظواهر اجتماعية عبر مسرحيات أو أعمال فنية هو قول يحمل مبالغة قد نحتاجها أحياناً للتدليل على طغيان السياسة والأمن على ما عداها في الكثير من التغطيات والهموم الإعلامية لدى قنواتنا الإخبارية سواء أكانت محلية أم فضائية. لا شك أن هناك اختراقات في تناول بعض القضايا لكنها في الغالب اختراقات موسمية وهي تنحصر بالبرامج الاجتماعية التي لا تكفي لتناول هذا الكم الواسع من الأزمات في مجتمعاتنا.

لا شك أن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والتغطية المستمرة إعلاميا له (وهي حتماً ضرورية) هو المتصدر على كل ما عداه من اهتمامات لكن هذا الأمر أسفر عن حجب أو على الأقل إلى تراجع الاهتمام بكثير من المشاكل التي تتفاعل في المجتمع الفلسطيني إلا أنها في أدنى سلم الأولوليات من قبل الإعلام والصحافة إلا إن كانت من زواية تسجيل موقف سياسي.

حتما السياسة والأمن عنوانان يصعب تجاوزهما في منطقتنا التي تستولد أزمات كبرى لكن الأمر يحتاج إلى جرأة وإلى إصرار كي يحافظ الإعلام على أهم وظائفه وهي أن يكون مرآة فعلية لأزمات مجتمعاتنا التي لا تنحصر همومها وقضاياها بالسياسة والأمن فقط وإن بدت هي الأكثر إلحاحاً.

في العراق يبدو الأمر أكثر تعقيداً لشدة تداخل السياسة والأمن مع العنف ومع الكثير من اليوميات العراقية حتى بات تخليص الأزمات الاجتماعية من براثن السياسة صعباً لكنه ضروري.

يحتاج الإعلام دوماً لأن يقدم ظواهر وقضايا اجتماعية بصفتها قضية بحد ذاتها ومحاولة عدم الانجرار وراء حصر النقاش بظواهر الأزمات السياسية. قضية مثل الغلاء مثلا هي ليست من أولويات الإعلام العربي مع أنه وضع يطال شرائح اجتماعية واسعة وهي أدت إلى أزمات كثيرة في عدد من الدول. غالباً يبدو الكلام عن الهموم ودور الإعلام في إثارتها بمثابة كلام عام ومكرر ربما، لكن على الأقل لا ينبغي أن نسلّم بأن ما يحصل لا يمكن الانقلاب عليه..

diana@ asharqalawsat.com