الاتفاقية الأمنية.. هل العراق اليابان؟

TT

وضع الأميركيون على الطاولة مشروع اتفاق سموه التعاون الأمني. وأثار ما يستحقه من نقاش واحتجاجات، حيث تناول كل فريق المسألة من زاويته. واشنطن صممت علاقة خاصة ببغداد بحيث تخلف علاقتها الحالية التي تنتهي بنهاية فترة الاشراف الدولي الذي منحته الامم المتحدة لها، حيث يتعين عليها ان تنسحب او تبقى برغبة الحكومة الحالية وبرضا الأغلبية في البرلمان. وهنا نرى الاطراف المعارضة إما وطنية عراقية لا تريد علاقة مع أجنبي، وإما قوى اقليمية، تحديداً ايران، تريد ان تخلف الاميركيين في النفوذ.

والحقيقة انا لا أشك في حقيقة المخاوف على العراق المريض لكن في الوقت نفسه لا أدري إن كانت الاتفاقية بالفعل مهمة للطرفين العراقي والاميركي، كما يوحي الجانبان. ولا أدري كذلك إن كانت الاتفاقية الامنية قادرة على الصمود لاحقاً، فقد أثبت التاريخ الحديث أن اتفاقات الحماية، خاصة في منطقتنا، فشلت وألغيت في النهاية بثمنٍ غالٍ للطرفين.

هناك استثناءات حيث امتد العمر باتفاقيتين أميركيتين مع المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وكانتا بديلا للاحتلال. فقد لعب الاتفاق مع المانيا الغربية دوراً مهماً في مواجهة المد السوفييتي، الذي أسس قلعة شرسة في الشطر الثاني من المانيا، وصارت بون حليفاً اساسياً ومخلصاً لواشنطن في لعبة الحرب الباردة. الشيء نفسه حدث مع اليابان، العدو الآخر، الذي وقع الاتفاق عام 52، تحول الى حليف اساسي لواشنطن ضد المعسكر الشرقي. يقول الاميركيون انهم وفروا الامن والاستقرار لبلدين كانا عدوين واصبحا صديقين بعد تغيير نظاميهما، وأن ثنائية الاتفاقية والوجود العسكري اديا الى استقرار المانيا واليابان، وتبعه ازدهار نافسَ اميركا نفسها في ما بعد. فهل نحن بصدد تكرار السيناريو مع العراق الذي أسقطت واشنطن نظامه المعادي ونصبت مكانه نظاما صديقا؟ لست متأكدا بحكم اختلاف ظروف، جيوسياسية اقليمية، وأزمات الداخل العراقي المتعددة. فامبراطور اليابان ليس صدام او البعث العراقي، والمانيا المتطورة صناعيا قبل الهزيمة ليست العراق المتخلف كثيرا والمنقطع عن كل شيء لعقود مستمرة. وفوق هذا كله لا توجد في بغداد قيادة واحدة يمكن ان تقود البلاد بتأييد محلي عارم. التاريخ، والمكان، والناس، والتجربة جميعها مختلفة، ولا بد من التذكير بان البريطانيين حاولوا الشيء نفسه في العراق من قبل وفشلوا، وأتوقع ان تتكرر المسرحية.

ومع ايماني بأن العراق يحتاج الى ان يشعر بأنه يقرر بنفسه، دون ان تفرض عليه اتفاقات، فان هناك جوانب لا بد ان توضع في الحسبان. العراق يحتاج الى استقرار، ولا توجد صيغة اخرى تضمن سلامته من التقاتل الداخلي بدون الحضور الاميركي، وهذا قول يردده معظم الاطراف الرئيسية؛ بما فيها المعارضة. أيضا لا يمكن الاستهانة بالخطر الايراني الذي يحدق، او كما يقول العراقيون «يباوع»، في هذا الجار الغني المهم، كصقر يحوم فوق فريسته ينتظر لحظة الانقضاض المناسبة. العراق في الحالتين في ورطة؛ حماية مجهولة العواقب وانسحاب يعرض البلاد للتمزق. الاتفاقية الأمنية والعسكرية لن تساعد الاميركيين في العراق، بل العلاقات الثنائية الايجابية، كما هو الحال في علاقات واشنطن مع دول مجلس التعاون التي عاشت خمسين عاما من الاستقرار بأقل قدر من الحساسية.