المؤتمر الدولي للنانوتكنولوجي.. الدلالة والمعنى

TT

النانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر) Nanotechnology محط أنظار العالم اليوم، ومجال علمي مهم تتنافس فيه وبشده الدول المتقدمة.

ولم تتأخر السعودية في اتخاذ قرارات علمية مهمة تكون مواكبة للعالم في هذا المجال الحيوي، لتؤكد أنها مسايرة للتطورات العلمية التي تعد من معايير القوى المهمة لدى الأمم. ففي السعودية الآن المركز الوطني لبحوث التقنيات المتاهية الصغر (النانو) في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. هذا بالإضافة الى استحداث مراكز أبحاث متخصصة في النانوتكنولوجي في الجامعات السعودية، وكان أكبر دليل على حرص السعودية على المنافسة في هذا المجال التبرع السخي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ بمبلغ 36 مليون ريال من حسابه الخاص لدعم الأبحاث في هذا المجال، كما أن السعودية تدعم وتشجع وبشدة جميع المؤتمرات والندوات والأنشطة التي من شأنها رفع مكانتها في هذا المجال العلمي.

وأكبر دلالة على هذا «المؤتمر الدولي للتقنيات المتناهية الصغر» (النانو) تحت شعار «الفرص والتحديات» الذي ينظمه مركز التقنيات متناهية الصغر بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، خلال الفترة من 17 ـ 19 يونيو الحالي، تحت الرعاية الشخصية المادية والمعنوية لخادم الحرمين الشريفين. ويهدف المؤتمر إلى فتح نوافذ جديدة على آخر المستجدات والتطورات والآفاق العلمية الواعدة لتقنيات النانو.

وسيشارك في هذا المؤتمر، نخبة من أبرز المتخصصين في علوم وتقنيات النانو على المستوى العالمي، إلى جانب مشاركات علمية من باحثين متميزين من الدول المتقدمة في هذا المجال. فمن أبرز علماء النانو المشاركين في المؤتمر العالم البريطاني الشهير البروفيسور السير جيمس ستودارت James Stoddart بجامعة نورث ويسترن الأميركية والحائز جائزة الملك فيصل العالمية للعلوم لعام 2007 عن أبحاثه في مجال «النانو»، والبروفيسور محمد حنيني Mohd Henini من المملكة المتحدة، والذي قدم ما يزيد عن الـ 700 ورقة وبحث علمي في مجال النانو، والبروفيسورالأميركي مارك جاكسون Mark Jacksonمن جامعة بوردو الأميركية والمتخصص في مجال الاستفادة الاقتصادية من النانوتكنولوجي، وغيرهم من أبرز الخبراء والمتخصصين في تقنيات النانو. وفي المؤتمر سيقدم ما يقرب من 30 خبيراً ومختصاً عالمياً في علوم وتقنيات النانو، آخر ما توصلت اليه الأبحاث العالمية في هذا المجال، كما سيقدم في المؤتمر 300 ورقة عمل علمية في تقنيات وتطبيقات النانو لباحثين متميزين من داخل وخارج السعودية.

هذا المؤتمر الدولي المهم له أكثر من دلالة ومعنى، من أهمها مسايرة السعودية للتطورات العلمية الواعدة في مجال النانوتكنولوجي، وحرصها على نقل وتوطين تقنيات النانو في المملكة لتلبية الاحتياجات الوطنية ومتطلبات التنمية في المجالات الصناعية والزراعية والصحية والبيئية وغيرها، ووضع أولويات واستراتيجيات البحث في هذا المجال بناءً على احتياجات المملكة الحالية والمستقبلية.

فعلى سبيل المثال تقوم السعودية باستخدام تقنية النانو في معالجة مياه البحر المالحة، حيث حصلت «المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة» على براءة اختراع من مكتب تسجيل براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي عن اكتشافها أسلوباً جديداً لمعالجة مياه البحر باستخدام أغشية الترشيح النانوية (متناهية الصغر)، والذي يعد نقلة علمية واعدة لصناعة تحلية المياه المالحة في العالم، ويدل دلالة مؤكدة على تحول أبحاث النانو في السعودية الى أبحاث تطبيقية ذات عائد اقتصادي وطني، إذ أن إدخال النانوتكنولوجي في تحلية المياه، يعد واحداً من أرقى تكنولوجيات الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة. فالدول النامية لا يمكن لها مجاراة أمريكا واليابان والاتحاد الأوروبي في الأحجام الهائلة لنفقات التطوير والبحث في مجال النانوتكنولوجي. لكن يمكن للدول النامية أن تصبح رائدة في اتجاهات علمية محددة من النانوتكنولوجي، وذلك بتركيزها على حل العديد من المسائل المعقدة والملحة في مجالات كالمياه والطاقة مثلا. ففي دراسة للأمم المتحدة عام 2005 لتحديد تقنيات النانو العشر التي يرجح أن تفيد العالم النامي في المستقبل القريب أكثر من غيرها، ورتبتها في لائحة تتسلسل فيها حسب إمكانية توفيرها الفائدة، جاءت على رأس اللائحة تطبيقات «النانو» المتعلقة بخزن وإنتاج وتحويل الطاقة، يليها استخدامها في تعزيز الإنتاجية الزراعية، ثم استخدامها في معالجة وتنقية المياه، ثم في تشخيص ومعالجة الأمراض.

كما أن النانوتكنولوجي توفر للدول النامية أساليب جديدة لتشخيص وعلاج الأمراض، ففي مؤتمر العام الماضي لبحث «استخدام النانوتكنولوجي لتحسين الرعاية الصحية في الدول النامية»، قال العالم بيتر سنغر، كبير العلماء في مركز مكلفلان ـ روتمان للصحة العالمية وأستاذ الطب في جامعة تورنتو الكندية، ان النانوتكنولوجي تنطوي على إمكانية إنتاج فوائد صحية هائلة لأكثر من خمسة بلايين شخص يعيشون في الدول النامية.

وخلاصة القول، ان عقد المؤتمر الدولي للتقنيات متناهية الصغر(النانو)، تحت شعار «الفرص والتحديات» له دلالة أخرى مهمة، إذ يؤكد على الفرص الواعدة لهذه التقنية وبخاصة في عالمنا العربي، إذ أن تقنيات النانو تتواءم مع احتياجات المنطقة العربية عموماً والسعودية خصوصاً، نظراً لطبيعة هذه التقنية متعددة الاستخدامات ومتداخلة التخصصات، كماً يشير المؤتمر لتحديات استخدام النانوتكنولوجي، اذ أن هناك ضرورة لمساعدة المجتمع الدولي في دعم استخدام النانوتكنولوجي في معالجة تحديات التنمية المستدامة بالغة الأهمية في الدول النامية، والاهتمام بالأخطار التي يمكن أن تشكلها النانوتكنولوجي على صحة البشر والبيئة.

وأخيراً هناك ضرورة لإقامة «نانوتكنولوجي عربي» يتضمن بناء قاعدة معلومات لتقنية النانو، تهدف لحصر العلماء العرب ومبادرات بحوث وتطبيقات النانو المنجزة وقيد الإنجاز لتحقيق نهضة علمية عربية موحدة في هذا المجال الحيوي.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية