غوانتانامو يقدم الشهادة لأعضاء «القاعدة»

TT

يبدو أن الاستدعاء الذي تم يوم الخميس أمام إحدى المحاكم العسكرية لخمسة من أعضاء «القاعدة» المتهمين بالمشاركة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، يساعد هؤلاء المتهمين على تحقيق ما يرغبون فيه بالفعل ـ استنشاق عبير الشهادة.

وقد تم استدعاء السجناء بمن فيهم العقل المدبر خالد شيخ محمد، للمثول أمام إحدى المحاكم العسكرية في خليج غوانتانامو في كوبا، لمواجهة تهمة القتل والتآمر والإرهاب الذي تسبب في مقتل 2973 شخصا في مركز التجارة العالمي بنيويورك ومبنى البنتاغون وولاية بنسلفانيا، حيث تحطمت إحدى الطائرات المختطفة في ذلك اليوم.

وإذا اعتبرنا أي منطق معقول، فإننا سوف نجد أن محاكمات غوانتانامو عبارة عن مهزلة. فقد اعترفت الحكومة نفسها بأن محمد وغيره من معتقلي «القاعدة» قد تم تعذيبهم. ويواجه المتهمون الخمسة عقوبة الإعدام إذا تمت إدانتهم.

كما أفاد محامو الدفاع العسكريون، بأنه لم يتم إعطاؤهم الوقت الكافي لإعداد الدفاع المناسب، كما تم منعهم من الاتصال بموكليهم. كما يسمح البنتاغون للمراسلين الصحافيين الذين يقومون بتغطية المحاكمة، بالجلوس خلف جدار زجاجي والاستماع عبر نظام صوتي يتأخر 20 ثانية عن زمن المحاكمة.

ويقال إن الغرض من ذلك، هو منع وسائل الإعلام من الاستماع إلى أي أسرار تتعلق بالأمن القومي يمكن أن يتم الحديث عنها أثناء المحاكمة. وفي يوم الخميس، يبدو أنه كان يتم استخدام ذلك النظام من أجل عدم الاستماع إلى الحديث عن تعذيب هؤلاء المعتقلين.

وقد اعترف محمد بمسؤوليته عن أحداث 11/9 أثناء جلسات محاكمة سابقة، حيث قال: «كنت مسؤولا عن عملية 11/9 من الألف إلى الياء».

كما اعترفت بقتل المراسل الصحافي في وول ستريت دانيل بيرل، بالإضافة إلى اعترافه ببعض الأعمال الشنيعة الأخرى. وقال: «لقد قطعت بيدي اليمنى رأس الصحافي الأميركي اليهودي دانيل بيرل».

ولكن لأن إدارة بوش كانت تخشى من تقديم محمد وشركائه إلى محاكمة جرائم أميركية عادية ـ حيث تتم حماية حقوق المتهمين ـ فإنه يمكن لمحمد وزملائه تحدي قانونية وعدالة الإجراءات المتخذة ضدهم في محكمة الرأي العام.

وإذا فعلوا ذلك، فإنهم سيحاكون الجمهوريين الآيرلنديين في أوائل القرن العشرين، وسيحاكون المقاومة السلبية لغاندي ومقاتلي حرية اليهود في فلسطين، التي احتلها البريطانيون. إنه تكتيك ينجح في غالب الأحوال ـ لا سيما إذا كان هناك تحد لمحامي الدفاع.

ولا يفهم من كلامي ذلك أنني أبرئ ساحة محمد وزملائه أو أقول بأنهم ضحايا. ولكن من شأن هذه الإجراءات أن تجعلهم يبدون شهداء في أعين الشباب، الذي يعيش على هامش الحياة عبر بلاد العالم الإسلامي.

وبالإضافة إلى ذلك فإن توقيت المحاكمة يأتي في وقت تحتاج فيه «القاعدة» إلى أن تظهر بمظهر الساعية إلى الشهادة. وفي أوائل شهر مايو، كتب لورانس رايت الفائز بجائزة بولتزر عام 2007 عن كتابه: «البرج الضخم: القاعدة والطريق إلى 11/9» حول موضوع هذه المنظمة الإرهابية في تقرير بمجلة نيويورك تايمز.

وفي مقالته، عرض رايت حقيقة أنه بينما تستمر «القاعدة» في الاستمتاع ببعض النجاح في العراق وزيادة الأمن والحرية في منطقة القبائل الحدودية بباكستان، فإن التنظيم يواجه حربا فكرية.

وعندما نتحدث عن الحرب الفكرية، فإن الأسلحة الكبيرة التي تستخدمها «القاعدة» دائما ما تكون مصرية. ومن أهم هذه الأسلحة الطبيب ورجل الدين سيد إمام الشريف.

وقد أفاد رايت بأنه منذ نحو 20 سنة كتب الشريف كتابين كانا مرجعين للجهاد، كما انه قاد جماعة الجهاد المصرية.

وبعد هجمات سبتمبر بوقت قصير، كان الشريف في سجنه يتزعم حركة أعلنت نبذها للعنف كأداة للإصلاح، كما أعلنت توبتها من قتل الرئيس السادات. وقد كتب الشريف كتاب «ترشيد الجهاد في مصر والعالم» الذي رد فيه على كل تبريرات «القاعدة» للقيام بأعمالها. وفي مقابلة صحافية سمى الكاتب ما حدث في 11/9 بأنه «كارثة على العالم الإسلامي». وقد كان لهذه المراجعات أثر كبير على عالم الجهاد، وأجبرت أيمن الظواهر على الوقوف في موقف الدفاع. ويقول رايت: «من الواضح أن حركة التشدد الإسلامي تواجه تمردا بين زعمائها، وهو تمرد يصعب على الظواهري وأمراء القاعدة مواجهته».

وقد أفاد كرم زهدي وهو أحد قاعدة الجماعة الإسلامية في مصر، لرايت بقوله: «من مراجعات الدكتور فضل ورد الظواهري، يبدو أن الجماعة منقسمة على نفسها».

فإذا تم إعدام هؤلاء المتهمين الخمسة، بعد تعذيبهم وبعد حرمانهم من إجراءات الدفاع الكافية، فسيصبحون شهداء في أعين الشباب المسلم الصغير، وهذا تماما ما يريدونه.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)