أوباما.. الليبرالية وتحدي الإصلاح

TT

هل يمثل باراك أوباما قوة يمكنها إحداث تغيير، أم أنه مجرد ديمقراطي تقليدي يتمتع بفن خطابة يتجاوز الحزبية؟

المفاجئ، أنه من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، فعندما تنصت إلى أفضل خطبه، يمكن أن تجد ما يبشر بمرحلة سياسية جديدة. ولكن، عندما تنظر إلى سياساته الفعلية، ستجدها غالبا قائمة من البرامج الليبرالية التقليدية التي لا تعطي لأي وسطي أو محافظ معتدل أي مبرر لدعمه.

وللتعمق في هذه القضية، أمعنت النظر في سياسات أوباما المرتبطة بالتعليم، ومن الجيد النظر الى التعليم لأن لدى أوباما اطلاع واسع في هذا المجال، ولأن هناك معسكرين تعليميين داخل الحزب الديمقراطي: معسكر «الوضع الراهن» ومعسكر الإصلاح. وقد أصدر كلا المعسكرين بيانات متباينة بهذا الصدد خلال الأسبوع الجاري.

أصدر معسكر «الوضع الراهن» بيانا أعده معهد السياسة الاقتصادية. ويقول هذا التقرير إن الفقر وعوامل اجتماعية عامة تسببت جميعها في معدلات كبيرة من المتسربين من المدارس وتداعيات أخرى سيئة. ولا يمكن للمدارس وحدها مكافحة ذلك، ولذا يجب توجيه المال إلى برامج رعاية صحية ومبادرات لمحاربة الفقر وبرامج تستهدف مرحلة ما بعد المدارس. وبالنسبة لتحسين المدارس، فإن الرسالة الضرورية هي أننا نريد إنفاق المزيد على ما نقوم به بالفعل: فصول أصغر وتعليمات أفضل وتدريب للمدرسين ذوي المستوى الأعلى.

وعلى النقيض، أصدر المعسكر الإصلاحي بيانا عن طريق مشروع المساواة في التعليم، وقّع عليه بعض مديري المدارس مثل جول كلين، من نيويورك، وميشيل رهي، من واشنطن، وأندرز ألونسو، من بالتيمور، بالإضافة إلى خبراء، بينهم أندرو روثرهام، المسؤول السابق في إدارة كلينتون. يدعم الإصلاحيون البرامج التي تستهدف مرحلة ما بعد المدارس، ولكنهم يصرون على أن إصلاح المدارس وحده يمكنه أن يصنع فارقا كبيرا، ولذا فهم يؤكدون على أشياء لم يؤكد عليها معسكر «الوضع الراهن» مثل المساءلة الصارمة والتغير الجوهري لهيكلة نظم المدارس.

يرى الإصلاحيون أن نظم المدارس في الوقت الحالي ليست ناقصة، فهي قد صممت من أجل تلبية احتياجات المدرسين والأطفال بالمقام الأول، وهذا بالضبط ما يفعلونه. ومع هذا، فهم يرون أن الوقت قد حان لإعطاء الأولوية لاهتمامات الطلاب.

ويرغب الإصلاحيون في تغيير هيكلة النظام، وليس مجرد إنفاق المزيد على نفس الأشياء القديمة، فيجب أن يكون للآباء رقابة أكبر على التعليم عن طريق المدارس العامة التي لا تخضع لبعض اللوائح والقوانين، مقابل تولي مسؤولية تحقيق أهداف معينة. وهناك حاجة لمراجعة عقود المدرسين والسياسات التي تحافظ على المدرس غير الكفء. والأكثر أهمية، يجب أن تكون هناك مسؤولية صارمة جدا.

والسؤال المطروح هذا الأسبوع: لأي المعسكرين ينتمي أوباما؟

يقوم مستشاروه بالنظر في كلا المعسكرين، ولكن نلاحظ أن هذه الإجابة تعتمد جزئيا على الشهر الذي سوف تقال فيه. فعند العودة إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2005، نجد أن أوباما قد ألقى خطابا غير عادي حول التعليم، بدا فيه أنه يدعم الإصلاحيين. وبعد هذا، عندما اشتدت الحملة، تحول إلى رأي تقليدي عمالي صرف، مهاجما المساءلة والاختبار، في خطاب ألقاه في نيوهامبشير بطريقة قلبت قضية الإصلاحيين.

وبعد هذا، في 28 مايو (أيار)، ألقى خطابا آخر حول التعليم في كولورادو عاد فيه مرة أخرى بمنحى أكثر غموضا. فقد بدأ خطابه بلائحة اتهام قوية لنظم التعليم في أميركا، ثم أكد أن العامل الوحيد الأكثر أهمية في تشكيل إنجازات الطالب هو جودة المدرسين، وبدا هذا وكأنه يتجه إلى معسكر الإصلاحيين، الأمر الذي جعلهم سعداء. ولكن عندما تنظر إلى الاقتراحات الفعلية التي يقدمها أوباما، تجد أنه لا يعالج القضايا الجوهرية، فهو مع التوسع بشكل كبير في البرامج التي تستهدف مرحلة ما بعد المدارس، والتي يؤيدها معظمنا. ولكن ماذا عن القضايا الهامة مثل: ماذا سوف تفعل مع المدرسين غير الأكفاء؟ وكيف سيمكن تحقيق مسؤولية صارمة؟ لا يدخل أوباما في الأمور الشائكة الأساسية التي تفصل بين المعسكرين.

يقترح أوباما عشرات البرامج التي تبنى على النظام الحالي، ولكن من غير الواضح ما إذا كان سيتحدى هذا النظام. وكثيرا ما يستخدم سياسة الجزرة، ولا يستخدم العصا، فلديه مهارة سياسية تمكنه من إعطاء انطباع لدى الجميع بأنه في جانبهم، ولكن من الناحية الفعلية فإن هذا المنحى يكتنفه الكثير من الغموض. فالتغير ليس بهذه الدرجة من السهولة. ويوافق أوباما على الكثير من الأفكار الجيدة، وهو أكثر تحديدا من حملة ماكين، ومع هذا تعطي تصريحاته حول التعليم الانطباع بأنه مرشح يسعى لتغيير كبير بدون أن يتكبد فعليا التكلفة السياسية لهذا الأمر.

في واشنطن، تحمل العمدة أدريان فنتي العديد من المخاطر عندما دعم إصلاحيا عنيدا مثل رهي. والسؤال: هل سيحارب الرئيس أوباما فئة رئيسية داخل الحزب الديمقراطي من أجل الترويج لإصلاح حقيقي؟ ليس أمامنا إلا أن نأمل ذلك، فالآمال هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن نثق فيه.

* خدمة «نيويورك تايمز»