كيف يكون الإنسان إنسانا؟

TT

كثيرا ما تتطلب الروح الإنسانية قلب القيم المتعارف عليها. خذوا مثلا بقششة الخادم والنادل والشغالات. المعتاد أن تعطيهم من البقشيش حسب ما يتلاءم مع إجادتهم في خدمتك. ولكن هذا ما يتنافى في الواقع مع متطلبات الروح الإنسانية. فلا خوف على الخادمة الجيدة والكفوءة. سيكون هناك دائما من يكرمونها ويستخدمونها ويحبونها، وفي الأخير من يتزوجونها. الخادمة الفاشلة هي التي تستحق أقصى المساعدة والتشجيع. عانيت منها قبل أيام في سفرة بحرية سياحية. تركت المكنسة في غرفتي وأغفلت تنظيف الطاولة ونسيت تغيير المناشف، وأخيرا كسرت هدية كرستال كنت قد أشتريتها.

قلت لنفسي هذه خادمة مسكينة، فتركت لها ما وسعني من البقشيش. رويت حكايتها لأم نائل عند عودتي. فقالت هذه الفتاة غارقة في الحب، وبعدها عن عشيقها أخذ عقلها. قلت: آه يا ليتني فطنت لذلك لأضاعف لها إكراميتها.

المعتاد للناخبين في بريطانيا أن يصوتوا للمحافظين أو العمال أو الأحرار. أنا دأبت على إعطاء صوتي لحزب الخضر. فالمحافظون والعمال والأحرار يحصلون دائما على ملايين الأصوات، في حين لا يحصل الخضر على أكثر من بضع مئات. أفليس من الإنسانية والعدالة أن نتكرم عليهم بأصواتنا ونشد حيلهم.

فضلا عن ذلك، الأحزاب والأفكار التي لا تحظى بالشعبية هي التي تحمل بذور المستقبل والتخلص من أزبال الماضي. العراق حاليا خير مثل على ما أقول.

حضرت قبل سنوات حفلة خاصة غنانا فيها النجم الجامايكي بيل وكي. كان بيل معشوق الجميع هامت بحبه الحسان والقنان. فاجأنا بتقديم زوجته التي كانت على درجة كبيرة من القبح. قلنا كيف؟ هذا المطرب المحبوب لم يجد من يتزوجها غير هذه المخلوقة الدميمة؟

مضينا في السهرة فغنانا بيل ما شاء من الأغاني عن الصبا والجمال، عن الشباب والغرام والحسان، على شأن المغنين والفنانين. وبعد أن تناولنا العشاء، عاد فالتقط القيثارة ثانية ليستأنف غناءه، وربما ليجيب على تساؤلنا. نصب أوتاره ثم رفع عقيرته وأنشدنا فقال:

صدقني واختر زوجة قبيحة.

خذ نصيحتي، إنها لن تخونك.

لن تتكبر عليك. لن تنسى طيبتك.

لن تقصّر في خدمتك، في السهر عليك

في الصلاة على روحك بعد موتك.

صدقني، وخذ زوجة قبيحة!

لقد أعطانا الجواب مدعما بأوتار قيثارته. اختلست النظرات إلى زوجة بيل، ووجدتها تبتسم قانعة راضية بما تسمع. قلت لنفسي لا أصدق ما نطق به هذا المغني في كلماته الحكيمة.