التقاطع المصري ـ الأردني ـ السوري في المسألة الفلسطينية

TT

تغيب الفكرة في مرحلة وتعاود الظهور في مرحلة لاحقة، عندما تتعقد الأوضاع أكثر بين الفلسطينيين وإسرائيل. ولأن الوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش على نفسه بالعمل، قبل انتهاء ولايته الثانية، على وضع إطار لإقامة دولتين مستقلتين هما فلسطين واسرائيلي، صار على وشك أن يتبخر، ولأن كل ما يجري مجرد «حركة من دون بركة»، كما يقال، عادت فكرة «دمج ما تبقى من الضفة الغربية» مع الاردن. وكان تقرير نشرته في العاشر من الشهر الجاري «وكالة الصحافة الفرنسية»، اشار الى تخوف المسؤولين الأردنيين من احتمال أن تدفع المملكة الأردنية ثمن عدم احراز أي تقدم في مفاوضات السلام الأسرائيلية ـ الفلسطينية، مع بروز اقتراح مثير للتساؤل يقضي بدمج «بقايا» الضفة الغربية بالاردن.

ان جس النبض هذا يتكرر اسرائيلياً تجاه الاردن وتجاه مصر ايضاً. وكان الوزير الاسرائيلي رافي ايتان العضو في المجلس الأمني الأسرائيلي قال في الرابع من آذار/مارس الماضي، ان على الأردن ومصر السيطرة مرحلياً على الضفة الغربية وقطاع غزة، «لأن الفلسطينيين يفقدون القدرة والحق لإقامة دولة فلسطينية مستقلة»!

ويشير الى التوجه الإسرائيلي هذا، التهديد المتواصل بإعادة احتلال غزة (لو كانت هناك خطة للخروج) والتراجع والاستمرار بعمليات انتقائية، ثم تعجيز مصر عن التوصل الى اتفاق مع حكومة «حماس»، والتعجيز هنا من الطرفين: اسرائيل و«حماس».

وصار واضحاً أن اسرائيل تريد «تحقيق السلام» مع كافة الأطراف باستثناء الطرف الفلسطيني.

ويقول رامي خوري رئيس تحرير صحيفة «الديلي ستار» والمسؤول عن «مؤسسة عصام فارس» في الجامعة الاميركية في بيروت، وهو خبير سياسي في الملف الفلسطيني ـ الاردني ـ الاسرائيلي وكان رئيسا لتحرير «جوردن تايمز» في زمن الملك حسين.. ان اسرائيل تريد احتلال اكبر جزء من الأرض، من دون أن تعرف كيف تتعامل مع واقع يفرض عليها التوصل الى سلام مع الفلسطينيين، لأنها تحتل ارضاً فلسطينية، ثم انها لا تعرف، كيف تتعامل مع قضية اللاجئين، لذلك من الأسهل في نظرها ابقاء الوضع على حاله، فلربما ينسى الفلسطينيون الأرض ويذهبون للعيش في اوستراليا، لكن هذا لن يحصل».

ان تقوم مصر بإدارة شؤون غزة يبقى أسهل من قبول الأردن تحمل اي مسؤولية تتعلق بالضفة الغربية. وقالت لي مسؤولة أردنية: «ان هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً، الاردن يطالب بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وتطبيق كل القرارات الدولية».

ربما، إذا تدهور الوضع الأمني اكثر في غزة، واذا ظهر ان عدم اتخاذ مصر اي موقف قد يضر بها اكثر مما يضرها التدخل، يمكن عندها ان تقبل القاهرة تحمل مسؤولية مباشرة محددة، فمصر عملت جاهدة لإبقاء سيطرتها على الاسلاميين والجهاديين. وقد تشعر أن «الاشراف» على غزة هو جزء من حفاظها على الامن القومي. هذا الوضع لا ينطبق على الاردن، لأن دمج ما تبقى من الضفة الغربية معه، يشكل خطراً جسيماً على امنه القومي ويخل بالتوازن السكاني اكثر. ثم ان الأردن اضعف من مصر اقتصادياً وعسكرياً، ولم يخف العاهل الاردني الراحل الملك حسين فرحه، عندما أعلن رسمياً عام 1988 تخليه عن المطالبة بالضفة الغربية؟

ويقول رامي خوري ان الفكرة غير واقعية، ويرى، ان طرحها الآن محاولة لكسر الجمود القائم مع ان المطلوب: «انهاء اسرائيل احتلالها، والتوقف عن بناء وتوسيع المستوطنات، وعلى الفلسطينيين في المقابل تشكيل حكومة اتحاد وطني، وان يتحملوا مسؤولية جدية بقيادة شعبهم، وان يجري التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين لتطبيق القرارات الدولية».

أبعد من عدم واقعية هذا الطرح ـ دمج الضفة بالأردن ـ موقع الاردن الجغرافي، يضاف اليه بروز ايران والشيعة العراقيين على حدوده الغربية، وسوريا على حدوده الشمالية، والاثنتان ايران وسوريا على علاقات قوية مع القوى الفلسطينية الراديكالية. ثم ان القوى الفلسطينية الملتزمة، والاسلاميين المدعومين اما من سوريا أو من ايران، يمكن ان يقلبوا الوضع الاردني برمته، خصوصاً من الناحية الأمنية ولهذا، يلاحظ ان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يضغط باستمرار واكثر من اي زعيم عربي آخر، على واشنطن كي تساعد على تحريك وتشجيع المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، لكن، لا يبدو ان الادارة الاميركية مدركة لخطورة هذا الوضع.

يقول رامي خوري: «لهذا السبب تقوى «حماس» ويقوى «حزب الله» وتبقى الحكومات العربية عرضة، ذلك ان قواعد اللعبة غير معمول بها اسرائيلياً. ولأن الرسالة التي تسوقها اسرائيل مفادها: اذا كنت عدائياً وتحتل اراضي الغير، وتلقى الدعم الاميركي يمكنك عمل اي شيء». ويضيف: «لقد نجح هذا الأسلوب في السنوات الاربعين السابقة. لكنه لم يعد فعالاً، لأن هناك مقاومة فعالة وقوية لاسرائيل واميركا.

ان الوضع الحالي لم يعد محمولاً، انه مضطرب وغير مستقر لذلك على الاسرائيليين، والفلسطينيين والاميركيين والعرب ان يقرروا: اما استمرار هذا الوضع غير المقبول، الذي سيؤدي الى المزيد من المعاناة والعنف من قبل الطرفين الفلسطيني أو الاسرائيلي، او محاولة ايجاد حل عبر تفاوض يعطي الطرفين الحقوق المشروعة الاساسية، وعلى الاسرائيليين تقع المسؤولية الكبرى، فهم من يحتل اراضي الغير، وهم من يستمر في بناء المستوطنات». يعتبر خوري ان العودة الى حدود 1967، هي الحل الواقعي على المدى القصير، او أي شيء قريب منه يوافق عليه الطرفان. اما بالنسبة الى المدى البعيد فإنه يرى: اذا اقيمت الدولتان مع ايجاد حل لمشكلة اللاجئين وتوفير الأمن للطرفين، واذا ساد السلام، عندها على المدى البعيد: «يمكن للطرفين ببطء وتدريجياً، ان يتقاربا اكثر من بعضهما البعض وينتهيا في دولة واحدة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. تبقى الدولتان بالمفهوم الكياني السياسي لكل منهما، انما اقتصادياً يتقاربان».

أما الاردن وسوريا ولبنان فقد تنضم لاحقاً الى هذا الاتحاد، ويضيف: «اذا تم التوصل الى حل سلمي يصبح كل شيء ممكنا، الآن كل شيء مستحيل». ويربط خوري السلام بالازدهار الاقتصادي، ويشير الى ايرلندا الشمالية وجنوب افريقيا.

قد يكون الاقتصاد هو الدافع الاساسي الذي حمل سوريا على التفاوض «جدياً» الآن مع اسرائيل، فهي تعاني من ازمة اقتصادية ضخمة، وقد تكون ادركت ان التفاوض حول السلام سيسمح لها بالظهور كواحدة من اقوى الدول في العالم العربي، خصوصاً ان لديها الكثير من الامكانيات الاقتصادية اذا توفر لها السلام والمال.

لكن، ليس واضحاً عما سيتخلى السوريون للحصول على السلام و.. الاقتصاد المزدهر. وكانت وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان قالت في نيودلهي: ان الطلب من سوريا التخلي عن «حزب الله» أو «حماس» كالطلب من اميركا التخلي عن اسرائيل.

وكان صاحب متجر للهاتف الخليوي في الضاحية الجنوبية من بيروت قال لـ«البي.بي.سي» الاسبوع الماضي: ان دعم ايران لـ«حزب الله» لا يختلف عن دعم اميركا لاسرائيل!

على كل، ان هذه المحادثات تثير قلق مصر والاردن، رغم التطمينات الاسرائيلية خصوصاً للاردن. ان احتمال ان تستعيد سوريا نفوذاً ما، وتصبح لاعباً كبيراً على المسرح العربي، يهدد الاستحواذ الذي تمتعت به مصر والى حد ما الاردن، الدولتان اللتان استفادتا من تطبيع علاقاتهما مع اسرائيل. الجغرافيا تجبر القاهرة وعمان على ان تكونا مرتبطتين بالقضية الفلسطينية بشكل تفصيلي، لكنهما تتخوفان كون تطبيع العلاقات بين اسرائيل وسوريا قد يمنح دمشق مقعداً رئيسياً حول طاولة التفاوض في الشأن الفلسطيني. ويتخوف المصريون والاردنيون من ان يدفع تركيز اسرائيل على انجاح مفاوضاتها مع سوريا، وما سيلي ذلك من تبادل اقتصادي، بالاسرائيليين الى توريطهم اكثر في المسؤوليات الفلسطينية. والى ان يتضح اكثر توجه وربما نتائج التفاوض السوري ـ الاسرائيلي، فإن الاردنيين والمصريين سيبقون في حالة توتر، لأن هذا يعني تعثرا في المفاوضات الاسرائيلية ـ الفلسطينية، وان تتحمل مصر والاردن افرازات ذلك بما فيها قلق الاطراف الفلسطينية المرتبطة بدمشق، لأنها ستصبح غير واثقة بمستقبلها، وتضطر الى البحث عن ملجأ آخر.