خطاب النوع

TT

من بين الفرص الضائعة خلال موسم الانتخابات التمهيدية، الذي شهده العام الحالي، عدم إلقاء هيلاري كلينتون أي خطابات تتناول قضية النوع (الجنس)، رغم إدلاء باراك أوباما بخطاب بشأن العرق. وهو أمر يمكن تفهمه نظراً لرغبة كلينتون في عدم تقليص مكانتها، بحيث تقتصر على كونها مجرد «مرشح امرأة». بيد أن إلقاءها مثل هذا الخطاب ربما كان سيثير نقاشاً وطنياً مفيداً حول تولي المرأة المناصب القيادية. والآن، بات الأمر في يد أوباما والتساؤل الذي أطرحه عليه: لماذا لا يدلي بخطاب حول هذه القضية؟ وفي ما يلي سأحاول عرض بعض النقاط التي قد تفيده بهذا الصدد:

أولاً: إن مشاعر العنصرية ربما تكون أعمق، لكن التمييز على أساس النوع أوسع نطاقاً داخل الولايات المتحدة في الوقت الراهن. وأظهرت استطلاعات الرأي أن عدداً أكبر من الأميركيين أبدوا استعدادهم للتصويت لصالح مرشح ذي بشرة سمراء ليتولى الرئاسة عن مرشحة أنثى. كما أنه على الصعيد العام، نستمع إلى دعاوى رفض على أساس النوع أكثر من تلك القائمة على أسس عنصرية.

ويمكن القول بأن أحد الأسباب وراء ذلك، أن المرأة اليوم لا تزال تعاني من تدني مستوى تمثيلها داخل المجال السياسي، حيث تشكل حوالي 23% فقط من المشرعين داخل الولايات الأميركية الخمسين، وهي نسبة لم تشهد سوى ارتفاع طفيف على امتداد العقد المنصرم. علاوة على ذلك، يهيمن الرجال على وضع التعليقات السياسية، ما مثل أحد الأسباب وراء شعور أنصار كلينتون بالتعرض لهجمات ظالمة.

ثانياً: نحن لسنا دائماً نعي انحيازنا مع أو ضد جانب بعينه. على سبيل المثال، يؤكد بعض أنصار كلينتون أنها تعرضت للهزيمة بسبب مشاعر كراهية النساء، بينما ينفي من صوتوا ضدها هذا الاتهام. وشدد بعضهم إلى أنهم لم يصوتوا ضدها لكونها امرأة، وإنما لأنها شخصية انتهازية صوتت لصالح الحرب في العراق. وبصورة عامة، تكشف الدراسات النفسية أن آراءنا وتوجهاتنا غالباً ما تتشكل في إطار نماذج نمطية من دون وعي منا. وقد قامت العديد من الدراسات على تجارب عملية جرى خلالها تقديم سيرة ذاتية واحدة، مرة باسم رجل والأخرى باسم امرأة. وتوصلت الدراسات إلى أنه بشكل عام جرى النظر إلى الرجل باعتباره أكثر ملائمة لتولي المناصب التنفيذية، حتى من قبل أشخاص معروفين بمناهضتهم للتمييز على أساس النوع، بل ومن جانب النساء.

إلا أنه في نهاية الأمر، لا يثبت ذلك أو يدحض فرضية أن مشاعر التحيز على أساس النوع اضطلعت بدور في الانتخابات التمهيدية.

ثالثاً: ربما تتحول امرأة محافظة إلى أول رئيسة للبلاد. في الواقع، جون إف كينيدي، أول رئيس كاثوليكي للبلاد، لم يكن كاثوليكياً للغاية. وبالمثل، من المحتمل ألا يكون أول رئيس أسود للبلاد «أسود للغاية»، سواء في الشكل أو في أي من مراحل تاريخه الشخصي، مع جهود النضال من أجل تعزيز الحقوق المدنية. ومن المحتمل أيضاً ألا تكون أول رئيسة للبلاد «امرأة للغاية»، بمعنى أنها خرجت من رحم الحركة النسوية.

وبالنظر إلى مارغريت ثاتشر وأنجيلا ميركل، نجد أن كلتيهما محافظتان ولا تربطهما أي صلة بالحركة النسوية. الأمر الذي يحمل مؤشرات حول طبيعة المرأة التي ربما تصل إلى البيت الأبيض. ويمكننا النظر أيضاً إلى السيناتور الراحلة عن الحزب الجمهوري مارغريت تشيس سميث، أول امرأة ترشحت لمنصب الرئيس أثناء اجتماع لحزب سياسي كبير.

رابعاً: تحدث المرأة اختلافاً في الحياة السياسية، لكنه ليس اختلافاً كبيراً. حصلت المرأة على حق التصويت للمرة الأولى عام 1920. وساد الافتراض حينذاك بأن النساء سيعززن بدرجة كبيرة من موقف الحزب الديمقراطي، الذي أبدى تعاطفاً أكبر حيال حصولهن على حق الاقتراع. ورغم ذلك، فاز الجمهوريون في الانتخابات الرئاسية الثلاثة التالية. واليوم، يتمثل السبيل الأمثل لاستكشاف التوجه الذي سيسلكه سيناتور ما عند الإدلاء بصوته في التعرف على الحزب السياسي الذي يتبعه والولاية التي يوجد بها، وليس نوعه.

بيد أن ذلك لا ينفي أن النساء داخل الكونغرس تولين في الغالبية العظمى من الحالات دور الزعامة في مناصرة قضايا، مثل تنظيم الأسرة وحق الإجهاض، كما يبدين اهتماماً أكبر بالقضايا المرتبطة بالتمييز على أساس النوع.

خامساً: من الممكن أن تخلق السياسة اختلافاً في حياة النساء. إذا ما رغب أوباما في إظهار اهتمامه بقضايا النوع، عليه أن يتزعم قضية لم يسبق لرئيس قبله أن ألقى لها بالاً: معدلات الوفيات بين الأمهات، التي ترتبط بمستوى الصحة العامة العالمية. ومن المشين أن كل دقيقة تمر تشهد وفاة امرأة أثناء الوضع في مكان ما من العالم. وتكشف الإحصاءات المتوافرة أنه في بعض الدول الأفريقية تواجه المرأة مخاطرة تتجاوز 1 من كل 10 حالات لأن تتوفى أثناء الولادة. لو كان الرجال هم الذين يتوفون بمثل هذا المعدل أثناء رعايتهم لأطفالهم، لعقدت مجموعة دول الثماني اجتماعات قمة طارئة لمناقشة هذه القضية.

ورغم ذلك، اقترح الرئيس بوش خفض الإنفاقات الضئيلة بالفعل التي نوجهها لرعاية الأمومة والطفولة بالخارج بنسبة 18% عام 2009. من ناحية أخرى، تعاني برامج تنظيم الأسرة، التي تقلص كلا من عمليات الإجهاض والوفيات أثناء الولادة، من نقص حاد في التمويلات.

ولا شك أن من بين أفضل السبل لتحسين مكانة واشنطن على الصعيد العالمي شن مبادرة كبرى نيابة عن النساء اللائي ينزفن حتى الموت في القرى النائية، ونوفر لهذه المبادرة تكاليف أسبوعين من الإنفاق الموجه إلى العراق، على سبيل المثال. وإذا ما تعاونا مع النرويج وبريطانيا، الدولتين الرائدتين عالمياً فيما يخص تناول هذه القضية، ربما نتمكن من إنقاذ حياة 300.000 امرأة سنوياً.

* خدمة «نيويورك تايمز»