مدن مستقبلية

TT

معروف أن هناك مدنا صنعها التاريخ وباتت جزءا رئيسيا منه.. مدنا كروما وأثينا ودمشق وبغداد. ولكن هناك مدنا كان لها دور في صناعة المستقبل وهو ما قامت به في وقت من الأوقات كل من مدينة البندقية ولاهاي وشكلتا حالة اقتصادية وسابقة لا يمكن إغفال أهميتها وكانتا نواة «المدينة السوبر» أو المدينة الدولية كما تعرف اليوم.

وفي الحقبة المعاصرة لعبت دبي دورا مهما في تكوين الإمارات الحديثة، وكذلك كانت بانجلور في الهند تأشيرة الدخول لشبه القارة الهندية للاقتصاد الجديد والألفية الثالثة، وهونج كونج لا تزال بوابة التنين الصيني بامتياز، ومقدرة الإنجاز الصيني تقاس بالإبداع في هونج كونج. واليوم في السعودية، الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر عربيا، هناك حديث متواصل عن مدينة الملك عبد الله الاقتصادية الواقعة في مدينة رابغ بالساحل الغربي على البحر الأحمر، والتي زارها خادم الحرمين الشريفين منذ أيام قليلة وأطلق خلالها مشاريع مهمة ولافتة. والأهم أن الزيارة أعطت صورة للسعوديين عما يمكن توقعه مستقبلا من خلال هذا المشروع الكبير والطموح. المشروع تمت دراسته بعناية كبيرة وشاركت فيه رؤوس أموال ضخمة، وطرح في اكتتاب عام ناجح، والآن تقدم على الاستثمار فيه شركات عالمية شديدة التميز في مجالات متنوعة. وستكون هذه المدينة ذات صفات وسمات تنافسية في مجالات محددة تمنحها مزايا للتفوق على المدى القريب مجالات مثل البلاستيك والالمنيوم والطاقة، (وهذه الثلاثة تراهن المدينة أنه سيكون لديها تفوق نوعي وكمي مع ازدياد معدلات الطلب العالمي) ولم يعد غريبا سماع خطط بعض الشباب للانتقال للعيش فيها، فلقد بيعت كافة الوحدات السكنية التي عرضت للبيع في زمن أقل ما يقال عنه أنه قياسي. ويقود هذا الحراك شاب قيادي سعودي هو فهد الرشيد، وهو خريج جامعة ستانفورد الأمريكية العملاقة وعمل قبل ذلك في شركة أرامكو للزيت وبعدها انتقل إلى الهيئة العامة للاستثمار. ولعل هدوء فهد الرشيد وهو يشرح عن المشاريع وعن الخطط وعن الأهداف وعن الألويات لهذه المدينة تمنح المستمع مسألتين بالغتي الأهمية، هما الثقة والطمأنينة. الحراك الإيجابي السريع على أرض الواقع، و«ظهور» مؤشرات البناء من مواقع ومبان شاهقة، وبشر بأعداد غير بسيطة يزداد تعيينهم مع ازدياد الاحتياج كفيل بقتل الكثير من الكلام «الساذج» وغير المسؤول لمن لم يطلع على القصة كلها. رابغ يبدو عبر هذا المشروع الهائل على موعد مع المستقبل، موعد مع مستقبل بلا قيود ولا تعقيد ولا عقبات إدارية ولا سقف للطموح الاستثماري. الفكرة كلها جريئة جدا وفيها مغامرة وفيها تحد، وهذا يبدو أبلغ وصف للتجربة حتى الآن، ولكن الحراك الحاصل على أرض مدينة الملك عبد الله الاقتصادية رفع سقف المتوقع اقتصاديا بالسعودية ومن المفروض أن يثري جو المنافسة بين المستثمرين وبين المطورين وحتى بين الإدارات الحكومية التنفيذية. الشباب والشابات في السعودية على موعد مختلف مع المستقبل يصنعونه بأيديهم في رابغ، والتحدي مستمر حتى يكتب للمشروع الاكتمال بنجاح كما بدأ، ومطلوب تعاون الكل حتى يتم ذلك لأن نجاحه نجاح لفكرة بسيطة كانت ضربا من الخيال وتحولت لأكبر مشروع تطويري في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وهذا هو عمليا صناعة المستقبل الذي تشترك فيه التقنية والتعليم والقدرة البشرية والمال. شيء مهم يحصل الآن على أرض رابغ، ولمن لا يصدق فليكلف نفسه بالسؤال والزيارة... سيذهل.

[email protected]