فنان خارج البورصة

TT

بين الفنان السعودي عبادي الجوهر، والفنان فريد الأطرش تشابه في خاصية الحزن، فإن كان فريد الناطق الرسمي باسم الحزانى، فإن عبادي الجوهر هو سفير الحزن، كما يراه البعض. وبين عبادي وفريد أيضا حالة من التشابه تتعلق بموقف الجمهور الفني منهما، فكلاهما يمتلك معجبين إلى درجة الجنون، ورافضين إلى حد النفور، فليس هناك منطقة وسطى بين الإعجاب والرفض في علاقة الجمهور بهما..

تلك المقارنة بين الاثنين أردتها مدخلا للحديث عن عبادي الجوهر الفنان، الذي أعتقد أنه على درجة كبيرة من الثراء في إحساسه الفني، وفي تذوقه للكلمة، وأجد للآخرين الحق في أن يكونوا على الضفة الأخرى من الرأي، فيرون في كلامي عن عبادي مجرد مجاملة بين كاتب وفنان تربطهما علاقة صداقة..

في لندن ذات صيف التقيت بفتاة سويدية من أصول عربية جاءت من السويد إلى لندن لأنها سمعت أن عبادي هناك، وكانت تبحث عنه في كل الأماكن التي يمكن أن يوجد فيها السائح السعودي حتى عثرت عليه برفقة أسرته بعد جهد طويل، ليكتشف عبادي أن لدى الفتاة سجلا كاملا لكل لقاءاته الصحافية، وألبوماته الغنائية، وكل ما يخطر وما لا يخطر لعبادي مما كتب عنه.. وعبادي تربطه بجمهوره علاقة مثالية، تدعمها أخلاقيات رائعة يتحلى بها هذا الفنان في حياته الخاصة والعامة..

أتي بعبادي إلى ساحة الفن ذات ليلة بعيدة الممثل الكوميدي لطفي زيني ليشغل به محمد عبده عن منافسة طلال مداح، لكن عبادي لم ينشغل بهذه الغاية، ومضى يخط دربه بطريقته، مؤثرا تشكيل لونه الخاص اعتمادا على ألحانه.. وعبادي في الجلسات برفقة العود يتألق، و«يسلطن»، ويزداد إبداعا، حتى أنني احتفظت بآلة عود عتيقة لسنوات كفخ لعبادي، أطلب منه أن يقوم بضبط أوتارها كلما التقينا، فإذا ما بدأ بضبط الأوتار فإن ذلك يعني ساعة من العزف الجميل المتفرد.

أدرت ندوة ذات سنة في مهرجان «الجنادرية» ضيوفها: عبادي، والشاعر إبراهيم خفاجي، والشاعر المصري سيد حجاب، والفنان الدكتور عبد الرب إدريس، وكان عبادي على درجة من الثقافة الفنية انعكست بصورة بارزة في حديثه وحواراته مع الحضور..

مرهف الحس، لا يؤثر إطلاق الزوابع الصحافية حول ذاته والآخرين، فهو يودع شحناته الانفعالية ألحانه وأعماله الفنية، ولم يشغل نفسه قط ببورصة الكلام..

تعرض حضوره الفني في السنوات الأخيرة للمد والجزر، بفعل الفواجع الأسرية التي فقد خلالها زوجته وأخاه في فترة زمنية قصيرة، لكنه استطاع أخيرا أن يمتطي صهوة الحزن لينثر فيض شجنه غناء على الجراح، وأشعر وأنا أنصت لعبادي في «الجرح أرحم» أنه يلخص سيرة حياته بهذا البيت:

«مرّت بي أيّام حسّيت إنّ السّعاده بكفّي

مرّت بي أيّام ورّتني الجُروح ضعفي».

[email protected]