استشارة

TT

في ليلة قمراء على شاطئ البحر كنّا مجموعة من الرفاق الأسوياء وغير الأسوياء، وكان الجو رائقاً ويستحث من هو مثلي على كل النشاطات الوجدانية، لهذا انتحيت جانباً لأبث شجوني وأشواقي لأبعد نجمة في سديم السماء، وبينما كنت مستغرقاً بأفراحي وأتراحي، وإذا بواحد منهم يقطع عليّ خلوتي واندماجي، وينهرني قائلا: إحنا في إيه وأنت في إيه، هيا قوم وشاركنا، وأعطينا رأيك.

وبدون أن أتبادل معه أي ملاكمة كلامية نهضت من مكاني وتبعته، ووجدت القوم مختلفين، ففريق منهم يود الجلوس ولعب (البلوت)، وشرب (الأركيله)، وعمل (الباربكيو)، والفريق الآخر يود ركوب القارب والذهاب للصيد.

فانحزت (للقواعد) من الرجال، غير أن أحد المعارف من الفريق الآخر، رفض جلوسي وأصر على أن اذهب معهم، وعندما وجد أني متشبث برأيي فما كان إلاّ أن يحلف عليّ (بالطلاق) من زوجته إن لم أرافقهم، غضبت واحترت واحتست ولا أدري ماذا أقول أو أفعل، لأنني أعرف ذلك الذي حلف بالطلاق، أعرفه جيداً فهو متهور وأخرق ولا أستبعد أبداً أن يفعلها، وعندما تذكرت زوجته المسكينة الطيبة التي أعرفها، انصعت وحسمت أمري وتوكلت على الله ووافقت على مرافقتهم، ولا أستبعد أن تلك الزوجة لو لم تكن طيبة وبنت ناس، لما ذهبت معهم وتركت الطلاق يقع عليها.

ركبنا القارب وكانوا خمسة وأنا سادسهم، وتوغلنا في عرض البحر، وكنت مشدوها من صفحة الماء الفضية الزئبقية المترامية الأطراف وهي تعكس أشعة القمر في ليلة 14.

كان من معي من الرفاق يبحثون عن الأسماك لأكلها، وكنت مختلفاً عنهم بتاتاً لأنني أبحث عن عرائس البحر لأراقصهن، ولكننا في النهاية قد فشلنا جميعاً.

ولكي أعود للموضوع أقول: إنه بعد أن سرنا ما يقارب ساعة كاملة وضعنا مرساتنا ويسمّونها (الهلب) في موقع يعتقدون أن به صيداً وفيراً، وألقوا (سنانيرهم)، وجلست أراقبهم وأستمع إلى ما تيسر من الأغاني، ومر علينا ونحن على هذا الحال ما يقارب ثلاث ساعات، وكانت حصيلة الصيد (أطفس من الطفيسه) ـ أي أنها كانت هزيلة ولا تعدو بضع سمكات صغيرات جربانات من أحقر الأسماك.

طوينا مرساتنا وقفلنا راجعين نجر أذيال الخيبة.

والغريب الذي قد لا تصدقونني فيه ـ ومعكم الحق ألاّ تصدقوا ـ هو: أننا بعد أن سرنا ما يقارب نصف ساعة وإذا بنا نشاهد صندوقا يطفو على الماء وكدنا نصطدم به، وتشاورنا هل نأخذه أو نتركه خوفاً من أن يكون فيه ما لا تحمد عقباه، واستقر رأينا على أن نأخذه، وعندما انتشلناه ووضعناه بالقارب وفتحناه وإذا بداخله تسع سمكات من الناجل الممتاز وزن كل واحدة منها ما يقارب اثنين كيلو، ويبدو أن الصندوق المحكم المثلج قد سقط من بعض الصيادين، فأجمع الرفاق على أن يدّعوا أمام الفريق الآخر أن هذه السمكات هي من صيدنا، وهذا ما حصل فعلا، غير أنني كالعادة (لا تنبل في فمي فوله)، فما كان مني إلاّ أن حكيت الحقيقة التي أزعلت البعض.

طبعاً أكلنا السمكات، ولا أدري هل هي حلال لنا، أم هي حرام، حيث أننا لم نصدها وإنما وجدناها عرضاً في البحر؟!، وهل إذا كانت حراماً فما هي الكفارة التي تتوجب عليّ أنا شخصّياً.

هذه الاستشارة أطلبها من شيخ يملأ هدومه، وليس من صعلوك يريد أن يتفلسف على أبو جدّي.

[email protected]