توم.. وبصل

TT

عراب العولمة، ذاتي الصنع، توم فريدمان محاولاته في ترويج الديمقراطية الإسرائيلية كالنموذج الوحيد في الشرق الأوسط لا تنتهي، والآن ها هو يذهب لأبعد من ذلك ليضيف العراق إلى إسرائيل. والحقيقة أن هذا الطرح بالإضافة إلى أنه طرح مضحك، فهو طرح شديد الاستفزاز ويقترب بقوة إلى السذاجة. فإسرائيل «الديمقراطية» هي آخر الأنظمة العنصرية المشرعة علنا في العالم، فبعد أن انتهى نظام «الآبارتايد» المقيت في جنوب أفريقيا وألقي به إلى مزبلة التاريخ، بارك الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش طرح إسرائيل العنصري وقال: «إسرائيل يجب أن تبقى دولة يهودية فريدة»، وهو بهذا التصريح الخطير أعطى إسرائيل الشرعية الدولية بأن تقوم بمعاملة مواطنيها من غير اليهود «رسميا» كمواطنين من الدرجة الثانية. وهذا معناه أن العرب والأكراد والمسلمين والمسيحيين والدروز والبهائيين الموجودين بإسرائيل «يقلون» في الحقوق والفرص عن نظرائهم اليهود.. حقا يا لها من ديمقراطية. آخر عهدنا بالديمقراطية أنها فرصة تمثيل «كل الشعب» وليس بعضه. أما عن العراق فهذا مثال للديمقراطية هو أقرب لألوان قوس قزح أو لوحة سوريالية منه إلى كيان سياسي متجانس، وطالما استمر العمل بمفهوم تمثيل النصاب للأعراف والأطياف فهو بالتالي تكريس لهذا النهج التمايزي المبني على التفرقة والشرذمة. ولا أعلم كيف تناسى توماس فريدمان نموذج بلاده الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطية حين مقارنته بإسرائيل والعراق. فهل ستقبل أمريكا أن يعلن رسميا أن أمريكا دولة «بروتستانتية» فريدة؟ وبالتالي على الباقي أن يرضوا بالصف الثاني فقط؟ أعتقد أن الإجابة هي لا مدوية! ولن ترضى أمريكا أيضا على التمثيل بالقطعة في الكونغرس بها وإلا رأينا مقاعد للهنود الحمر والكاثوليك والبروتستانت والسود واللاتينيين.. وهكذا. مفهوم الديمقراطية معروف وواضح، وهناك دول تمارسه بجدارة وثقة. دول ككندا واستراليا وبيرو والدول الاسكندنافية ونيوزيلندا وغيرها، هذه الدول تحترم مواطنيها أيا كانت خلفياتهم، والقانون سيد الجميع والقضاء فيها له هيبة واحترام ونزاهة. أما الحديث عن أمثلة هشة ناقصة ومشوهة كإسرائيل والعراق فيه استغفال كبير للعقول والمشاعر. إسرائيل والعراق هما مثالان صارخان ضد مفهوم ومنظومة العولمة ينشر عنهما ويتغنى بهما توماس فريدمان لأنهما مثالان على العنصرية الانعزالية والتمزق والتشرذم، وعدم القدرة على التعايش بمفهوم يجمع ولا يفرق. العالم العربي أبعد ما يكون عن الديمقراطية أمر واضح ولا جدال فيه، كذلك علامات المأزق السياسي حيال التمثيل الشعبي العربي أيضا مسألة واضحة هي الأخرى، ولكن أن يروج ويسوق لنا عراب العولمة توماس فريدمان أن إسرائيل والعراق هما المثل المطلوب اتباعه فهذه كما يطلق عليها بالبديش (وهي لغة اليهود الأوروبيين القديمة والتي لا تزال تستخدم في نيويورك) خوتزباه! ومعنى الكلمة وقاحة بجرأة غير عادية.