العلم للعامة.. ضرورة إنشاء مراكز للاتصال في العلم والتكنولوجيا

TT

هناك العديد من المؤتمرات المهمة في مجالات وقضايا العلم والتكنولوجيا التي عقدت أو سوف تعقد في عالمنا العربي، ولكن للأسف قد تمر هذه المؤتمرات في صمت ولا يعلم عنها الكثير من عامة الجمهور شيئاً، وقد يرجع أحد أسباب ذلك لقصور وسائل الإعلام العربي في المتابعة والتغطية الجادة لهذه المؤتمرات، فغالباً ما تقتصر التغطية فقط على حفل الافتتاح والختام، من دون أن يعرف العامة الكثير مما يدور في جلسات هذه المؤتمرات من قضايا وأبحاث علمية مهمة في حياته اليومية.

لقد أدركت الدول المتقدمة أن وسائل الإعلام التقليدية لم تعد كافية للقيام بدورها في تحقيق التواصل مع عامة الجمهور وإثارة اهتمامهم وتعريفهم بالعديد من قضايا العلم والتكنولوجيا وليصبح العلم مألوفاً للعامة Popularising Science وبخاصة في المجالات الحديثة مثل النانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، والروبوتات والذكاء الصناعي والخلايا الجذعية، الخ، فأنشئت العديد من البرامج والمراكز المتخصصة في الاتصال في العلم والتكنولوجيا Science Communication، والتي تعد بالفعل مراكز إشعاع علمي وثقافي وحضاري تهدف للتنوير العلمي لعامة الجمهور والناشئة، اذ تعمل كرابطة مهمة بين العلماء في مراكز ومعامل البحوث والمؤتمرات وعامة الجمهور، حيث تقدم للجمهور ما يدور خلف المعامل والمؤتمرات من قضايا وأبحاث ودراسات علمية مهمة في الحياة العامة، وذلك من خلال برامج علمية متميزة يقدمها متخصصون أكفاء، تعمل على إثارة اهتمام العامة والناشئة بقضايا العلم وتحبيبهم فيه والكتابه عنه، وبالتالي المساعدة في نجاح السياسات العلمية والتكنولوجية للدولة.

المطلوب الآن أن نثير اهتمام العامة بقضايا العلم والتكنولوجيا قدر اهتمام الغالبية المتزايد بشؤون الرياضة والفن، ولن يتم هذا إلا من خلال إنشاء مراكز متخصصة للاتصال في العلم والتكنولوجيا، يمكن أن تعد برامج علمية مثيرة وجذابة، منها على سبيل المثال ملاحق علمية يعدها متخصصون توزع مجانا مع الصحف اليومية المحلية وبخاصة أثناء فترة انعقاد المؤتمرات العلمية، تتضمن هذه الملاحق التعريف بالمجال العلمي والقضايا العلمية موضوع المؤتمر، وكذلك إجراء حوارات علمية جادة مع العلماء والباحثين البارزين في هذه المؤتمرات لتعريف العامة بهم وبأبحاثهم ومدى إمكانية تطبيقها والاستفادة منها في الحياة اليومية، وبخاصة في القضايا العلمية الحديثة مثل النانوتكنولوجي والتي قد يستعصي فهمها على الكثير من العامة.

ومن المهم هنا أن نشيد بجهود مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض، وبخاصة الإدارة العامة للتوعية العلمية والنشر، التي تهتم بنشر ورفع الوعي العلمي بين أفراد المجتمع باستخدام العديد من برامج التوعية العلمية المتميزة، والتي نتمنى أن يضاف اليها أدب الخيال العلمي Science Fiction الذي يعد أحد أهم وسائل الاتصال المهمة في العلم والتكنولوجيا والضرورية لتحقيق التنوير العلمي، وبخاصة في الدول المتقدمة، وذلك لقدرة هذا الأدب على الاستحواذ على مخيلة الجمهور وإثارة اهتمامهم بالعلوم، فالعلاقة المهمة بين الخيال العلمي والعلوم ترجع الى أن كتاب الخيال العلمي يتابعون الأحداث العلمية الحديثة ويطرحون سؤالاً «ماذا يحدث لو حدث هذا الأمر أو ذاك؟»، وهذه الأسئلة التي يطرحونها، وتدور أفكار مؤلفاتهم حولها، هي نفس الأسئلة التي يطرحها العلماء وتدور في خلد عامة الجمهور في أحيان كثيرة. لهذا يمكن من خلال هذا الأدب تعريف العامة والناشئة بالكثير من قضايا العلم والتكنولوجيا غير المفهومة.

لقد باتت هناك ضرورة لإثارة اهتمام العامة والناشئة بقضايا العلم والتكنولوجيا واستقطاب العلماء والمتخصصين لوضع تصورات ورؤى محددة واضحة المعالم لتصبح قضايا العلم والتكنولوجيا مألوفة ومثيرة لاهتمام العامة، مثلما يحدث في شؤون الرياضة والفن، ولن يتحقق هذا إلا بإنشاء مراكز متخصصة للاتصال في العلم والتكنولوجيا يكون اهتمامها فقط بمتابعة قضايا العلم والتكنولوجيا المتسارعة وشؤون العلماء والباحثين والمؤتمرات العلمية والتكنولوجية، وتوصيلها بأساليب متميزة من بينها الخيال العلمي لمعالجة القصور الشديد الحالي في شؤون العلم والتكنولوجيا ولتحقيق التواصل مع عامة الجمهور لنجاح السياسات الحكومية المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية