التدخل الإيراني: حزب الله وحماس.. أبناء شرعيون للثورة الإيرانية

TT

هذا ما قاله السفير الإيراني السابق في دمشق والأب الميداني لحزب الله، محمد حسن اختيري، في الحلقات التي نشرتها الشرق الأوسط. مؤكدا ان إيران دعمت حزب الله وحماس ماليا وسياسيا ومعنويا، فضلا عن التنسيق معهم، وكشف عن إرسال آية الله الخميني عناصر من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان لبناء حزب الله عسكريا، كما كشف عن تدخل إيران وسوريا في مساعدة حزب الله في إنشاء قناة «المنار»، ولم يتردد في وصف علاقة طهران بدمشق بأنها إستراتيجية وعميقة، مشيرا إلى وجود ثلاث حوزات شيعية رئيسية في دمشق.

ولعل أهمية حديث اختيري تكمن في كونها دليلا ناصعا من مصدر صريح إزاء ما يطرح في الساحة من قبل محللين ومتابعين حول صحة تغلغل إيران في دول المنطقة وتمدد ذراعها في التأثير على الملفات الشائكة من خلال أدواتها كحزب الله وحماس والقوى الشيعية العراقية رغم محاولاتهم المستميتة لنفي هذا التدخل.

على أن ثمة قراءة ترى أن عادة ما يكون هنالك تزامن بين ما يقوم به حزب الله من ممارسات وافتعال وبين ما تواجهه إيران من ضغوطات وتضييق الخناق في ما يتعلق بملفها النووي. ولعل هذا يفسر ان انقلاب بيروت لم يكن رد فعل بقدر ما كان تنفيذا لتوجيهات خارجية واستغل لتصفية حسابات داخلية. وهذا يعني أن الحزب مهما قيل عن دوره في المقاومة انه ما زال يدور في الفلك الإيراني، حيث تجده يتحرك عندما تكون المصالح الإيرانية والسورية في خطر أو تتعرض لضغوط.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى جذر الإشكالية التي نتج عنها تعقد الملفات الإقليمية حين برز الخلاف الأميركي الإيراني حول السلاح النووي، فإيران كانت على قناعة تامة بأنها لا يمكن لها أن تفاوض وتساوم الولايات المتحدة من دون أن يكون لديها أوراق اللعب الفاعلة التي تستخدمها في المقايضة، وبالتالي كانت السياسة الخارجية الإيرانية تضع نصب أعينها، ومنذ سنين أهمية التواجد في الملفات الملتهبة في لبنان والعراق وفلسطين واليمن من خلال دعمها السياسي والمادي والعسكري لحلفائها ومناصريها في تلك الدول لاستخدامهم متى ما دعت الحاجة، وهذا ما تحقق فعلا. والحقيقة أن الملف النووي بات لغزا لا يمكن حله، فإيران تصر على امتلاكه للحصول على الطاقة الكهربائية، أي استخدامه لأهداف سلمية، وروجت لشعبها أن الرضوخ للمطالب الدولية ما هو إلا إذلال للكرامة الإيرانية، مما حقق لها شعبية محلية. وطالما أن الأمر هكذا، إذن من حقنا أن نتساءل: لماذا تقوم إيران بتضليل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ ولا تسمح لهم بالزيارة والتأكد من أن البرنامج يتفق مع شروط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؟

وكانت قد ذكرت تسريبات إعلامية عن وجود محادثات أميركية ـ إيرانية مباشرة، ثم لا تلبث أن تتوقف بسبب إصرار طهران على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، غير أن المأزق الأميركي في العراق، يجعل المرء يخمن لما التشدد والتعنت الإيراني، لا سيما في ما يتعلق بمسألة تخصيب اليورانيوم، كون طهران موقنة أن واشنطن غير قادرة في الوقت الراهن على دخول حرب جديدة، فضلا عن تحمل تداعياتها في المنطقة، ولذا من الطبيعي، بل من الأهمية بمكان إن تقوم باستغلال هذه الورقة السحرية والمراهنة عليها في ظل اقتناع أميركي وعلى ارض الواقع بحجم التأثير الإيراني في المفصل السياسي والشعبي العراقي، ناهيك من أن الإيرانيين يتابعون وبارتياح تفاقم الشعور الشعبي ومختلف الأوساط الاجتماعية والثقافية في أميركا إزاء دورها في العراق وتورط جنودها في أعمال وحشية.

إن مشكلة إيران، أنها تنطلق في تعاملها مع تلك الملفات من رؤية طائفية وليست من مفهوم الدولة، فضلا عن سعيها إلى انتزاع صفة المرجعية الدينية والسياسية للشيعة العرب في المنطقة، والإصرار على حصولها على اعتراف أميركي ودولي بنظامها وبكونها دولة مؤثرة إقليميا.

صفوة القول، إن حصول إيران على السلاح النووي يعقد المشكلة ولا يحلها، بل يساهم في زيادة التسلح النووي في المنطقة، فضلا عن المخاطر البيئية في ما لو حدثت تسربات إشعاعية في المنطقة. ولعل الحل في إطفاء كل هذه الحرائق، أن تتصرف كدولة، مغلبة مصالحها الوطنية على مصالحها العقدية وذلك بأن تلغي مفهوم الثورة المتمثل في دعمها للميليشيات والحركات المسلحة في دول المنطقة التي تزعزع استقرار دولها، وتنزع لنهج الدولة المدنية في التعاطي مع تلك الملفات، ومع حقها في أن تبحث عن مصالحها، مثلها مثل أي دولة ضمن إطار الدولة ومفهوم العلاقات الدولية. وهذا يقتضي في تقديري، أن على إيران إبداء حسن النوايا وبناء الثقة مع دول الخليج أولاً من اجل ضمان استقرار الخليج ومستقبله، لأنه لم يعد خيارا بين خيارات، بل ضرورة استراتيجية لا بد منها لوضع إقليمي جديد بات يمس أمن واستقرار ووجود الجميع بلا استثناء.